• في غربيِّ السودان كلِّه تبقت فقط مدينتان لم يسيطر عليهما الدعم السريع ولكنه يحاصرهما حصاراً مُحكماً؛
مدينة الفاشر، وهي تترنح الآن، ولقد إجتاح الدعم السريع بعض أحيائها المهمة في قلب المدينة، بعد حصارٍ قاسٍ ممتد لعدة أشهر، واستولى على المستشفى الوحيدة العاملة فيها مرتين بحسب السلطات الصحية المتبقية هناك.. ولربما تسقط هذه المدينة قبل أن يطالع القارئ هذا المقال، أو في أي وقتٍ قريب. وإذا سقطت الفاشر فسوف لن يكون مصيرها مختلفاً عن مصير مدينة واد مدني، المدينة الثانية من حيث الأهمية والقرب من العاصمة الخرطوم. ربما سيكون الإختلاف الوحيد هو أن الدعم السريع دخل مدينة واد مدني دون مقاومة، وبإنسحابٍ متعجل لكل القوات المسلحة فيها من الجيش السوداني وسلمتها فعلياً للدعم السريع، ولكن الفاشر سيسبق سقوطها مقاومةٌ شرسة وعنيدة، مما سيجعل الضحايا فيها حال سقوطها، لا سمح الله، بلا عدد بين المدنيين والعسكريين، وفي صفوف قوات الدعم السريع المهاجمةِ ذاتِها..
• وأما المدينة الثانية المتبقية فهي مدينة الأبيض، حاضرة إقليم كردفان، بل هي حاضرة كردفان الكبرى كلها، بولاياتها الثلاث كلها؛ الشمالية والجنوبية والغربية. ومدينة الأبيض محاصرةٌ فعلياً منذ أكثر من ستة أشهر، لا يدخلها شئ ولا يخرجُ منها شئ إلا بعلم قوات الدعم السريع التي تحيطُ بها إحاطةَ السوارِ بالمعصم، وليس بالمدينة ماء ولا دواء ولا كهرباء، ونسأل الله ألا تسقط، ولكنها إذا سقطت فسيكون مصيرُها لا سمح الله، مثل مصير نيالا وبابنوسة والضعين والفاشر في الغرب، وواد مدني والخرطوم في الوسط من حيث كثرة الموت بين العسكريين والمدنيين، إذ تتمترس القوات المسلحة بداخلها، بل في قلبها، حيث توجد رئاسة قوات الهجانة (أم ريش أساس الجيش) المشهورة، وهؤلاء سيقاتلون، داخل المدينة، قواتِ الدعم السريع بلا رحمة وستقاتلهم قوات الدعم السريع بلا رحمة. وهي الحرب الملعونة في كل حال، ولا يوجد الآن الآن أي بصيص ضوء يعوّل عليه لمنع سقوط هاتين المدينتين الوشيك ولا غيرهما من مدن السودان المهددة، اللهم إلا محادثات جدة التي لا يوجد ما يؤكد -حتى الآن- أنها قد بدأت أصلاً..
• عندما إندلعت ثورة ديسمبر ٢٠١٨م المباركة ضد نظام الطاغية البشير، وأجمع السودان كله على إسقاطه، وواجه النظام الشعبَ بآلةٍ جبارة من القمع والسحل والتقتيل تحركت تجمعاتُ سودانيي المهاجر في كل أنحاء العالم لمحاصرة النظام وتعريتِه خارجياً، وتوعية العالم الخارجي بالقضية السودانية، ولدعم ثوار الداخل الذين كانوا يواجهون الموت بصدور عارية..ولقد إستطاع السودانيون أن يحشدوا أصدقاءهم في كل بقاعِ العالم فتم تعطيل النظام تماماً، وتقطعت الحياة عن أوصاله الخارجية في المنظمات الدولية والإقليمية، وأدانته كل دول العالم، وأمتنع زعماء العالم عن مقابلة مندوبيه وسفرائه. وأتذكر أنه في اليوم الذي تحرك فيه سودانيو أمريكا إلى العاصمة الأمريكية واشنطون في مسيراتٍ إحتجاجية -لرفع الوعي الأمريكي بقضيتنا- كان في نفس الوقت قد تحركت أكثر من مائة مدينة في كل أنحاء العالم للغرض نفسِه، وكان ذلك كفيلاً بإسقاط النظام والإجهاز عليه..
• إنني أعتقد، ومع حالة الشلل التام الراهنة للفعل السياسي في بلادنا، ومع إصرار نظام الإسلامويين الممسك بتلابيب الجيش على أن يجره جراً إلى هذه الحرب، أنه أصبح لا مناص، بل لقد أصبح واجباً، أن يتحرك سودانيو المهاجر للقيام بذات الفعل الذي قاموا به في منافحة نظام الإنقاذ الهالك فساعدوا في إسقاطِه..
• إن هذه الحرب المستعرة، وقد عجزت الأطراف السودانيةُ كلها، حتى الآن، أن توقفها، لم يعد متاحاً إلا إيقافها بالقوة، والتي ليس بالضرورة أن تكون قوةً عسكرية، ولكن لابد من قوةٍ قادرةٍ ما (وقاهرة) تقومُ بإيقاف الحرب وفرضِ إرادة السلام على الجانبين المتصارعين، ولا يوجد أي خيار آخر..
• فإذا تحركت تجمعاتُ السودانيين بالخارج، وفوراً، مثلما فعلت في ثورة ديسمبر لحاصرت الطرفين المتصارعين، وبدعم القوى المحبة للسلام في العالم، ولفرضت السلام فرضاً في بلادنا، ولقد جربنا إجتذاب دعم العالم وقواه المحبة للسلام -إبان ثورتنا المجيدة- ونجحنا نجاحاً باهراً، وذلك قبل أقل من أربع سنوات من الآن..ويظل هذا هو الأمل الوحيد المتبقي والمتاح، والذي بإمكاننا أن نكون من خلاله القوة السودانية الوحيدة القادرة على فعل شئ، في ظل الشللِ التام الذي عجِز السودانيون الآخرون فيه عن فعلِ أيِّ شئ !!