منذ أن أعلن الرئيس البشير دعوته للحوار الوطني قبل أعوام وحتى إعلان باريس الأخير وتداعياته على صعيدي الحكم والمعارضة مرت مياه كثيرة من تحت الجسر، فتوصيات وقرارات مؤتمر الحوار الوطني لاتزال تراوح مكانها، وهي تعاني من أزمة ثقة بين الفاعلين السياسيين الذين يشككون في صدقية التطبيق والانتقال بها إلى دولة الوطن بدلا عن دولة الحزب الحاكم وبين النخبة الحاكمة التي تريد الإبقاء على هيمنتها مع بعض التغييرات الشكلية، رغم رغبتها في تقديم النظام في نسخة جديدة تتوافق مع المتغيرات الإقليمية والدولية .
أما على صعيد المعارضة المسلحة سواء في دارفور أو المنطقتين فقد أصبحت حبيسة في خلافاتها الشكلية، رغم تزايد قناعتها بطريق الحل السياسي الذي يدعو له حزب الأمة القومي لكن دون أن يكون هناك ما يلوح في الأفق من بوادر حل يجمع شتاتها حول فكرة الحل الشامل الذي يحافظ على وحدة البلاد وسلامتها.
ويحاول قادة المعارضة السلمية الممثلة في زعيم حزب الأمة القومي ومن يشاركه الرأي من المعارضين الآخرين البحث عن حلول أساسية على أسس خارطة الطريق، وهي معارضة لا تملك أكثر من إصرارها على ذلك واستنهاض آلياتها السلمية لتحقيق تلك الغايات رغم تطاول الزمن .
المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية سواء على صعيد تنامى العلاقات السودانية الخليجية أو السودانية الأفريقية أو الانفتاح على المجتمع الدولي أوروبيا وأميركيا سيما بعد الرفع الجزئي للعقوبات على السودان قد منح السودان فرصة جيدة لبداية جديدة، تؤهله للاندماج في المجتمع الدولي، لكن هذه الفرصة تبقى مشروطة بترتيب البيت الداخلي على أساس التوافق والاتفاق السياسي الشامل على بناء الثقة والسلام، وبناء دولة المؤسسات والقانون والحريات الأساسية واحترام حقوق الانسان .
هذه المعاني هي المفتاح الرئيسي لولوج مرحلة جديدة تكون مؤهلة لجذب الاستثمارات والشراكات الاقتصادية وتحقيق الاستقرار المعيشي والاقتصادي وتحول السودان للعب دور إقليمي في قارته الأفريقية، وهو مؤهل لذلك وليكون فاعلا في عالمه العربي والإسلامي وهو مؤهل أيضا على قاعدة مدنية جديدة لاتضع وزنا للمنكفئين والمتزمتين ودعاة الفرقة والشتات .
ويبقى السؤال قائما، وهو ما ستجيب عليه الأيام القادمة، هل يستطيع النظام القائم الاستفادة من هذه الفرصة المواتية لأبرام مصالحة حقيقية مع شعبه ومع الإقليم ومع المجتمع الدولي وفق الاستحقاقات الديمقراطية التي تشكل ركيزة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أم أنه سيضيع فرصة مواتية ليكسب خسرانا مبينا .