يبدو الإنسان السوداني بين الرجاء واليأس، وهو يتابع الأحداث الميدانية في أرض المعركة، ويعايش ويلاتها، ويتلظى بها، وبنيرانها، كما يتلظى بالإعلام الملون الذي يزين الدمار وفق هواه، فيراه مكسباً لهذا الفريق أو ذاك، مطلقاً تعبير البل على الانتصارات المتوهمة.
إنَّ المبلول الحقيقي في هذه المعركة اللعينة هو الوطن، وليته ابتل، فالبلل يعني الماء، وهو سر الحياة، بينما ما يتعرض له هو الدمار الذي لا يبقي ولا يذر. والمصفقون من هذا الفريق أو ذاك مشاركون حقيقيون في هذا البلاء واستمراره.
الحقيقة الواضحة للعيان أنَّ الجيش الذي صرفنا عليه من المال العام النسبة الأعلى من كل الميزانيات، لم يكن هو ذاك الذي تخيلناه، وأملنا فيه، فهو يعاني ليس في العدة والعتاد والجاهزية، ولكن في المسألة الأهم لأي جيش، وهي الانتماء للوطن والإخلاص له، بعيداً عن الانتماءات الضيقة، التي لا تليق بأي جيش مناط به الدفاع عن حياض الوطن.
ومن المسلم به أنَّ جيشنا أنهكه التنازع بين قوانا السياسية، وما مارسته من اختراقات له، سواء من اليمين أو اليسار، أو ما يقال عليه الوسط، حتى آلت القيادة إلى الحركة الإسلامية، التي مارست عليه ما تشاء من نظريات تجعله رهيناً لها، وهذا ما أوضحته الحرب اللعينة، التي أصبح لها قادة عسكريون ليسوا من رحم المؤسسة العسكرية، وهم بالتأكيد الذين صنعوا المؤسسات الرديفة للجيش، وأسندوا إليها المهام التي كانوا يرونها تخدم مخططهم، وتحقق مرادهم، من دون مساءلات قانونية، ومن هذا الفكر كانت ولادة الجنجويد، التي تطورت إلى الدعم السريع.
خلاصة الأمر أنَّ المراد من هذه المعركة واد فكرة المدنية، والسطو على الثورة، لتذروها الرياح، بربط كل إخفاقات المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الحرب بالقوى المدنية، وما هذا الغزل بين الحركة الإسلامية والدعم السريع عبر وسطاء إلا دليل على أن المستهدف الرئيس هو مدنية الدولة، التي كان الانقلاب الشهير عليها مؤشراً واضحاً، وقد كان باتفاق الطرفين، وتعاونهما الوثيق.
القوى الإقليمية والدولية التي ظلَّت تحاول المساعدة على استحياء، مع توزع ميولها بين الفريقين، وخصوصاً أن هناك من يرى أن المدنية لا تضمن لبعضها ولاء الحاكم في الخرطوم، يبدو أنَّ تفكيرها يخضع للتقييم والمراجعة، وإذا أخذنا في الحسبان أن السيولة الأمنية والفوضى العارمة كفيلتان بنمو قوى متطرفة تملأ الساحة، وتصل نيرانها إلى كل الجوار، ومن ثم، شعر الجميع بالخطر، ورأوا أنَّه قد جاء وقت الضغط الجدي على الفريقين، وضمان خروج آمن للكبار من مشعلي الحرب، لأنَّهم جميعاً خرجوا بالتأكيد من حسابات المشهد السوداني، طالت هذه الحرب اللعينة أم قصرت.