ما الطريق إلى مستقبل سوداني جامع؟
كانت هناك إرهاصات لقيام رؤية جامعة موحدة للسودان الحديث/ المعاصر، وسبقت الإشارة إليها فى مطلع هذا الحديث، وهناك ضرورة لاستصحابها الآن بعد أن تبين الداء وعز الدواء ليستبين طريق الشفاء.
نعم كانت هناك إرهاصات لسودان جامع مع معركة ود هاشم ١٧٣٣م ومع المهدية والاجماع على الاستقلال و”الثورات” المتتابعة والتى توالت بعد كل انتكاسة، وعادة يعزوها أصحابها إلى عوامل الخارج، وفكر المؤامرة دائما مشجب حاضر، وتبرير العجز لا الاعتراف به مصاحب، وتعمى الأبصار عن إدراك الدور الرئيس لعوامل الداخل المتعاظم تأثيرها فى الفشل الدائم، غافلين عن النداء الرباني
(( وفى أنفسكم أفلا تبصرون )) (الذاريات ٢١)، وفى التوجيه الرباني إن التغيير يبدأ دائما فى النفس (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) (الرعد ١١ ،ومثلا الأنفال ٥٣ )، وفى التاريخ المعلوم هذا امر بارز مشهود. ويتعاظم الأمر أهمية ويزداد السعي فيه وجوبا إذا علم أن القوى المهيمنة فى الحياة الإنسانية المعاصرة تهدد البناء الداخلي فى مجتمعات الهامش الحضاري من وجهتين أساسيتين؛ الأولى أن العالم أصبح غرفة واحدة ضيقة وإعلامه ضغطه شديد، وفعله مخيف.والثانية أن دول الهيمنة رغم مصالحها المتضاربة تهدف لاستغلال مجتمعات الهامش الحضاري لأسباب إستراتيجية متعددة ومختلفة الأمر الذى لا يتم إلا بإضعاف تلك المجمعات والسودان الحديث / المعاصر من أهمها، حسبك مشكلة الجنوب وإثارة دارفور وما يجري الآن .
وليتعافى السودان لابد له من اقتلاع معوقات الهوية الجامعة بصبر وإناء وشجاعة وعزيمة وإصرار وإلا كان الردى. فلابد من صنعاء وإن طال السفر وإن كثرت العقاب، وتعثرت الجهود. فما الطريق؟
إن أول الطريق هو القبول بالسودان الحديث/ المعاصر بحدوده الراهنة المنصوص عليها دوليا وبسكانه القاطنة فيه منذ استقلاله ،والتواثق على التغلب فى النفوس والرؤوس على الموروث المضاد للهوية الجامعة لا بالسيوف ليسبق الفكر العمل، وهذا مخ أي عمل إستراتيجي، والتخطيط ولوازمه يأتي بعده.
ويقوم هذا التواثق على تكريم الإنسان غاية. وهو منصوص عليه فى كل الشرائع السماوية بيد أنه من الضروري إعادة قراءة الفكر الاسلامي على ضوء آيات حكمة خلق الإنسان فى سورة البقرة (٣٠-٣٨ ) .وقد وصلت إلى ذلك الممارسات البشرية التى بلورتها المواثيق الدولية غير أن الكيل بمكيالين أضعف تطبيقها.