في ظل الأزمة الحالية في السودان، بدأت العديد من دول الجوار تدرك بوضوح مدى خطورة الوضع وتأثيره على استقرارها وأمنها. فعلى الرغم من الجهود التي بذلتها بعض الجهات لمواجهة تداعيات الأزمة، فإن الوضع لا يزال يشكل تهديدًا كبيرًا. دول مثل مصر وإثيوبيا وتشاد جنوب السودان ربما أصبحت أكثر وعياً للأخطار المحتملة التي قد تنجم عن النزاع المستمر في السودان، وبدأت تبحث في اتخاذ خطوات إيجابية للتعامل مع تلك التداعيات. حيث أصبح من الواضح أن “ألسنة اللهب”، التي تعبر عن الفوضى والاضطرابات السياسية والامنية ، تلقي بظلالها الثقيلة على المنطقة بأسرها، مما يجعل دول الجوار في حالة من القلق المستمر. إن هذه المخاوف تتعلق بشكل أساسي بآثار النزاع على الاستقرار الإقليمي بصفة خاصة دول الجوار، بسبب الروابط الجغرافية والعرقية بين السودان والدول المجاورة. فعلى سبيل المثال، تواجه تشاد تدفقات كبيرة للاجئين من السودان، مما قد يسبب تداخلات سياسية وأمنية معقدة، بينما تعاني مصر وإثيوبيا من مخاوف تتعلق بتأثير الأزمة على تدفقات اللاجئين والأمن المائي والغذائي. وتشهد مصر تأثيرات مباشرة جراء الأزمة السودانية، حيث يتزايد تدفق اللاجئين من السودان إلى أراضيها، مما يشكل ضغطًا على الموارد والخدمات. إضافة إلى ذلك، فإن الأزمات البيئية في السودان، مثل التلوث، قد تؤثر بشكل كبير على حوض النيل، الذي يعتمد عليه الاقتصاد المصري بشكل كبير، مما قد يزعزع استقرار ها. فيما يخص إثيوبيا، فإن النزاع في السودان يؤثر على العلاقات بين السودان وإثيوبيا بشكل مباشر. الحدود الطويلة بين البلدين قد تؤثر على محادثات سد النهضة، حيث يمكن أن تعرقل النزاعات الداخلية في السودان التنسيق بين الدول الثلاث المعنية، مما يهدد الأمن المائي لإثيوبيا. بالإضافة إلى ذلك، تواجه إثيوبيا مشكلات أمنية وسياسية ناتجة عن الوضع في السودان. أما تشاد، فهي تعاني من مشكلات داخلية وأمنية وسياسية خاصة بها، وأي اضطراب في السودان يمكن أن يمتد إلى أراضيها ويؤثر في استقرارها السياسي. إن النزوح الجماعي للسودانيين إلى تشاد قد يؤدي إلى ضغوط إضافية على الموارد والخدمات في البلاد، ويزيد من تعقيد الوضع الأمني.
بالنسبة لجنوبي السودان، فإن النزاع في الشمال قد يؤثر ايضاً على استقرار الجنوب الذي لا يزال يعاني من آثار الحرب الأهلية والمشكلات القبلية. والنزاع في السودان قد يشجع الجماعات المسلحة على العودة إلى الصراع مرة اخرى، مما قد يسبب عدم الاستقرار في الجنوب. في هذا الإطار، تأتي أهمية بذل الجهود المنسقة للتعامل مع الأزمة السودانية بين الاطراف المختلفة. وينبغي أن تشمل هذه الجهود الضغط على الأطراف المؤثرة في النزاع وهي معروف للجميع ، والتعاون الأمني وتبادل المعلومات، وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين. يجب أيضًا تعزيز التعاون الإقليمي والدولي من خلال المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي، والايقاد، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، ومجلس الأمن. إن التصريحات والجهود الدولية بدأت تتسارع، ولكن الوصول إلى حل دائم ومستدام يتطلب تعاونًا دوليًا ومحليًا مكثفًا ومنسقاً وصادقاً. ورغم التصريحات والجهود الدولية، فإن تعقيدات الأزمة السودانية لا تزال تمثل عقبات كبيرة ومعقدة ومتشابكة منها. عدم التوافق السياسي، والانتهاكات الكبيرة لقوات الدعم السريع، وعدم توحد الإرادة السودانية، بجانب التدخلات الدولية والتقاطعات المرتبطة ببعض الدول الخارجية،كل هذه العوامل تشكل تحديات كبيرة لتحقيق الحل المنشود.
السؤال المهم هو: هل يمكن حل الأزمة السودانية وتجنب انتشار ألسنة اللهب إلى دول الجوار ؟ الإجابة نعم، بشرط إدارة حواراً صريحاً وشفافاً بين جميع المكونات المختلفة، وتوحيد الإرادة الوطنية، والتوافق السياسي، ووجود معادلة لحل جذري لمشكلة الدعم السريع على المستويين المحلي في اقليم دار فور والوطني على مستوى الدولة وفك الارتباط بين قوات الدعم السريع مع الاطراف الخارجية، ويجب على دول الجوار الابتعاد عن المصالح اللحظية والتفكير في الأبعاد الاستراتيجية، والبحث عن استراتيجيات فعّالة من خلال اللقاءات والحراك، سواء كان في داخل السودان أو مصر أو جنوب السودان، للتعامل مع الأزمة وحماية استقرار المنطقة. في حال لم يتم اتخاذ هذه الخطوات، فإن “ألسنة اللهب” ستتصاعد في الانتشار، مهددة الجميع.