برحيل (فيصل دهيبة)، تطوى صفحة من سجل ليالينا في قريتنا الوادعة أرقين جنوب، برحيل كوكبة نيرة مثل نجوم أفلت ولكن ضوءها لم ولن يخبُ.
أسرة حملت اسم شهرة والدهم الراحل”محمد دهيبه” … أو محمد فضل، وهو أحد أربعة فنانين مثلوا “أضلاع” الأغنية النوبية الشامخين في قرية أرقين، وهم (محمد دهيبه، ورمضان سليمان ألاشي، ويوسف زكية وسليمان شريفة/ أبو زيد) والأخير اعتزل الغناء مبكراً رغم صيته وشهرته، ولم تكن أفراح أرقين تتم إلا بهم.
أبو دهيبة ، تميز ب(قوة) الصوت، مع بحة مميزة، ولم يكن بزمانهم ذاك ، مكبرات صوت (مايكرفونات) ولكن أصواتهم كانت تسمع من على البعد واضحة وجليًة، فتميز رمضان بنعومة صوته حيث شكل مع رفيقه أبو دهيبه ثنائياً يتبادلان ترديد الأغنية على طريقة لاعبي كرة القدم (خُد وهات) ، وهو ما يسمى في الغناء بال(دويتو) أو الغناء الثنائي.
كما تميز الاثنان بترديد الأغاني القصصية التراثية (مسلييه)، خاصة (دسيي براما) و(ملكة دارية) و(أسمر اللونا) فيتباريان كل واحد بغناء مقطع (كوبلييه)، كُنا نحضرها في أمسيات جميلة ومحضورة ببيت (رمضان الاشي وزوجته شفوقة نجمية) وقد كتبت عن تلك السهرات الممتعة قبل سنوات.
إبن أبودهيبة الراحل (فيصل) مشى على درب والده ، ولكن في جيل آخر حين تعلم العزف على آلة (العود) في مدينة عطبرة في سن السباب حيث بدأ هاوياً بترديد أغاني الفنانين أحمد المصطفى وإبراهيم عوض في جلسات ضمت شقيقه الأكبر (سيد) وإبن خالتهم (صادق أحمد مُمر) وآخرين أغلبهم عملوا بالسكه حديد ، قبل أن تتفرق بهم سُبل الحياة ودروبها.
كما ذكرنا فيصل وشقيقه الأوسط (عابدين) رحمهما الله، دخلا ساحة الغناء وصح فيهما المثل (من شابه أباه فما ظلم ولكل زمان صولة ورجال) … كلاهما عُرفا بالظرف وحب الفكاهة ونالا محبة من عرفهم عن قرب.
حتماً ، لا تفي هذه الحروف بما يمكن ذكره عن أولاد (أبو دهيبه)، ولا عن أساطين الغناء في الزمن الجميل لأربعة أجيال جمعتنا ليالي القرية 11 في أزهى خُللها، وأبهى جمالها غناءاً وطرباً، ستبقى في ذاكرة أيام الشباب الغُر الذين حفظوا وعرفوا جمال الغناء من هذه الكوكبة المبدعة الذين وضعوا بصمتهم في دفتر الغناء النوبي جيلاً بعد آخر.
رحم الله أبو دهيبة، وفيصل وعابدين وغفر لهم بقدر ما نثروه من فرح وسعادة في أجمل سنوات العمر، وبارك في أعمار الآخرين.