أمس شاهدت فلماً تدور أحداثه حول سرقة ثروات أفريقيا من الماس والذهب والمعادن الثمينة، وبيع وشراء الرقيق، وكيف تصنع المليشيا من أبناء البلد، وكيف تجلب المرتزقة المتعطشين للدماء والقتل والاغتصاب وتجندهم تحت ستار قضية وهمية تتحدث عن الديموقراطية أو الاضطهادالعرقي أو توزيع الثروة والسلطة؟ وكيف تتحايل على المواطنين المحليين وكيف تشتري وتجند السياسيين وكيف تلعب بالعقول؟
وعلى طول مشاهد الفلم لم يفارق خيالي كل ما يحدث في السودان، كل شيء متطابق وبالكربون، معظم السياسيين يتعاملون وفق مصالحهم الشخصية، ويعملون مع من يدفع أكثر، وفعلا جميعهم لا دخل مادي لهم ولا وظائف، لأن دخلهم الأساسي هو ما يدفع لهم تحت الطاولة من دولارات من دول خارجية لها مصالح أو استغلال المنصب العام والاستيلاء على أكبر حجم ممكن من المال العام للثراء، وكل هذا يتم تحت ستار الدين أو الديمقراطية أو الاضطهاد العرقي أو الثقافي أو التوزيع العادل للثروة والسلطة وغيرها من الأجندة المكررة والمتنقلة من جيل إلى آخر..
وزاد يقيني بأن قضيتنا هي قضية (الوعي).. فالوعي ليس كونك تحمل شهادة دكتوراة أو صحفي أو سياسي أو منتمي لتحالف أو بتشجع مليشيا ولا جيش.. حقيقي في متعلمين كتار ولكن للأسف جهلاء، وكل ما يحدث في هذا البلد هو بسبب الجهل..
السودان ظل في حروبات أهلية، وانقلابات عسكرية، وسرقة لثرواته من قبل العسكر الانقلابيين والنخب السياسية الفاسدة والتجار ودول الجوار، فقط لأن الجهل والأمية متفشية.. ولن تنتهي هذه الحالة التي نحن فيها إلا عبر الوعي.. الوعي الذي يستغل ثروات البلد من ذهب ومعادن وماشية وانهار وأراضي زراعية وعمالة ماهرة وحكومة شريفة عفيفة وجيش وطني وشرطة مهنية وشعب حر وسعيد..
يجب علينا أن نعي تماما أن الاستقرار السياسي هو مدخل للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وهو سبب للتطور والتقدم والمدنية، هوسبب لنظافة العقول والشوارع. وسبب لاحترام اشارات المرور، وسبب لتطبيق القوانين والأنظمة، وسبب للتطور العمراني، وسبب للتطور في الطرق والمواصلات والسكك الحديدية والقطارات. وسبب لتطور المطارات، وتطور الجامعات والمدارس، والنهضة في قطاع السياحة من بناء للمنتجعات على شواطئ البحر الأحمر، وبناء المتنزهات الوطنية على شواطئ نهر النيل، وبناء المحميات البرية، ليصبح السودان وجهة للسياح من جميع أنحاء العالم، وقتها سناخذ صور السلفي ونفتخر جميعا ولسان حالنا يقول.. سودانا فوق فوق فوق سودانا فوق في عنان السماء..
عليكم بالوعي ما استطعتم..