إنهاء الحرب يتطلب أكثر من مجرد الذهاب إلى التفاوض لحل الأزمة السودانية المعقدة والتي تمتد جذورها إلى سنوات، بل إلى عقود من النزاعات والصراعات. ويظل خيار التفاوض في مقدمة الحلول المحتملة، ولكن الذهاب إلى التفاوض في جنيف أو غيرها من المنابر يتطلب تحضيراً جيداً من خلال تنظيم ورش عمل متخصصة ودراسة جذور الأزمة وكل المبادرات والالتزامات السابقة ومخرجات منبر جدة. كما يتطلب الأمر فصل القضايا الأمنية والانسانية عن السياسية. الأمنية تُناقش بين القوات المسلحة والدعم السريع والقوات المشتركة، والقضايا السياسية بين القوى السياسية، ثم حوار يجمع بين جميع القوى العسكرية من جهة والقوى السياسية من جهة أخرى، بجانب الخبراء من أبناء الوطن. إن تحقيق السلام هو عملية شاملة تتطلب مشاركة جميع الأطراف ودراسة المشكلة وتعقيداتها، ووضوح الرؤية، وخارطة للطريق، وذلك لضمان نجاح عملية التفاوض وبناء أساس قوي لمستقبل أكثر استقراراً، وتحقيق حلول مستدامة للنزاعات لا تعيد الحرب مرة أخرى. كما يعتمد نجاح التفاوض على الأطراف الأخرى (الوسطاء المحايدين) وتقديم المبادرات لحسم النزاع بشكل نهائي. وتكمن أهمية التحضير الجيد لأي عملية تفاوضية في إيجاد فهم عميق للأبعاد المختلفة للأزمة، المتمثلة في أسبابها وجذورها، والمصالح المتباينة للأطراف المعنية، وتأثيرات دول الجوار والسياق الإقليمي والدولي. كما يتضمن التحضير استكشاف كافة السيناريوهات المحتملة والممكنة. كما أن التحضير يتضمن بناء الثقة بين الأطراف وتعزيز القدرة على التوصل إلى التوافقات وطرح الحلول وإعطاء فرصة لجميع الأطراف والاستماع لوجهات نظرها، مما يساهم في خلق بيئة إيجابية للتفاوض. أما المبادرات، فيفترض أن تقدم من كل الجهات، ولكن هناك أهمية لتقديمها من القوى السياسية والأحزاب وأبناء السودان الذين لديهم فهم عميق للقضية السودانية. يفترض أن تكون المبادرات مبتكرة تتجاوز الحدود المألوفة، لتدفع الأطراف للجلوس للتفاوض ودعم الوسطاء بالأفكار التي يمكن أن تساهم في حل المشكلة وتوفر طرقاً جديدة لمواجهة القضايا المعقدة. وللأسف،ليس للقوى السياسية السودانية دوراً واضحاً وفعالاً ومبادرات تذكر، ناهيك عن الجلوس مع بعضها لتحقيق التوافق السياسي. أما الورش المتخصصة فيمكن أن تلعب دوراً مهماً وتكون منصة لدراسة الأفكار والمبادرات المطروحة وجمع وتحليل المعلومات لحل النزاعات وبناء الثقة، ووضع الأسس للتعامل مع القضايا الشائكة. ونرى أن فصل القضايا الأمنية والانسانية عن القضايا السياسية هو مفتاح للحل. القضايا الأمنية مثل نزع السلاح، وتأمين الحدود، وحماية المدنيين، والخروج من منازل المواطنين، وعودة المواطنين إلى مساكنهم، ودمج القوى المسلحة، ونزع السلاح، وتقديم المساعدات الانسانية وغيرها من القضايا تتطلب اهتماماً منفصلاً عن القضايا السياسية المتمثلة في الحكم، وتوزيع السلطة، والإصلاحات السياسية والدستورية، وإدارة الفترة الانتقالية، والمحاسبة والمساءلة، والعدالة الانتقالية، وجبر الضرر، ووضع معايير لمشاركة القوى السياسية وغيرها. ومن خلال الفصل بين هذين النوعين من القضايا، يمكن تسهيل عملية التفاوض والحوار لحل الأزمة بشكل أفضل. وهذا لا يعني أن لا يكون للأطراف العسكرية رأي في القضايا السياسية أو إبعادها بشكل نهائي من المشهد، ولكن أن يُحدد لها دور محدود يتفق عليه في المرحلة الانتقالية فقط. نرى أن هذا الطرح قد يساعد الأطراف في التوصل إلى حلول، وتقليل التعقيدات، ويعزز من إمكانية التوصل إلى اتفاق. ويكون الحوار بين القوى العسكرية في القضايا العسكرية تحت مراقبة القوى المدنية، ويكون الحوار بين القوى السياسية تحت مراقبة القوى العسكرية، ثم حوار يجمع الأطراف المختلفة العسكرية والمدنية للاتفاق على إنهاء الصراع بشكل دائم ومستدام.