سفريتي الأولى .. ومطب جدة

سفريتي الأولى .. ومطب جدة
  • 19 أغسطس 2024
  • لا توجد تعليقات

أنور محمدين

انطلقت باخرتنا من سواكن والبحر هادئ، غير أنه سرعان ما اضطرم واصطرعت أمواجه ما جعل بعضنا عرضة للدوار والقيء.
طلب من غير السودانيين التجمع ففوجئت بسودانيين بعممهم وسطهم حيث اتضح أنهم يحملون جنسية تشاد لاعتبارات تيسيرية.
كنت متلهفا على رؤية جدة ( جاز نطق الجيم بالفتحة والضمة والكسرة)، وينسب بعضهم التسمية إلى حواء أم البشر المدفونة في موقعها، التي بدت عماراتها الباهية صباحا على البعد، غير أن باخرتنا ظلت حتى الظهيرة ساكنة لترسو.
تدفق الركاب تجاه الإجراءات وفوجئت بمصري أمامي يحجز نتيجة العثور على مخدرات في طي لحاف في معيته فبات يصيح ” متجرسا “:
” أنا ما عارف من وين جاتنا المصيبة دي .. بيتي اتقفل” بينما أسرته في وجوم.
تقدمت للضابط، الذي أمسك بحواف معطفي سائلا عما بها فذهلت قائلا في ذعر:
إن عمي قدمه لي في بورتسودان اتقاء البرد وحشوة الحافة طلبا لاعتدال قوامه في ظني، غير أنه أخرجني من الصف ونادى من قص الموضع وحمل المادة، التي فحصت فورا واتضح أنها نشارة خشب دقيقة فحمدت الله على نجاتي وأسرعت للخارج لأجد أخوي همت محجوب وأزهري وهبي في الانتظار، الذي طال، وبعد وقت يسير كنا في جمعية دلقو في جدة وسط حفاوة.
بعد يومين أدينا العمرة جماعة يتقدمنا الخال ناصر خضر وكنت أتلو الدعوات من كتيب وهم يرددون في موكب صغير في خضم طوفان بشري.
كنت أتوقف في شوارع الجمعية المحيطة مليا عند البطاطين الثقيلة التي لكم نحتاج إليها في أيامنا الشاتية في السودان واشتريت شبط جلد ماركة الديك، الذي كان يستهويني حين ينتعله مغتربونا في البلد خلال إجازاتهم وهم يرددون ألفاظ سيارة وغرفة .. إلخ ولفائف الجنيهات تتبدى في جيوب جلاليبهم الثمينة.
ذات مساء هاتفني الحبيب إيهاب نصر طالبا الاستعداد للسفر للرياض خلال ساعة فحملت حقيبتي مودعا شاكرا أبناء الجمعية، الذين تحلقوا حولي في حنية ” يا سلام عليهم ” واستقر رأيهم على ارتدائي زيا سعوديا بدل الجلابية أو البنطلون فأسرعوا لغرفهم يلبسوني جلابية سعودية بياقة عند الرقبة كالتي يرتديها أحبابنا الختمية ووضعوا على رأسي غترة وعقالا كيفما اتفق فبدوت في شكل كاريكاتيري فقد كان إتقان وضعهما بعيد المنال.
أخذت مساء إلى قصر منيف سعدت فيه بالعزيز عبد النبي عبد الله ابن قرقود الطيب، الذي أولمني بعشاء كبسة رز ولحم وفير وبسرير وثير.
صباحا وجدت نفسي في سيارة تحمل بعض المتاع وبرفقتي الفنان المحسي، البديري اللامع صديق أحمد و2 من مجموعته. بعد أن توغلنا في الطريق أنعم السائق علينا ببعض الفاكهة، وقذف بقشورها هازئا:
حافظوا على نظافة مدينتكم!
كنا نتوقف أحيانا في ارتكازات الشرطة وحين ترتاح الشخصية المهمة، التي نسير في ركابها وموكبها وهي مع صفوتها في حافلة فارهة في المقدمة.
بعد رحلة ناء مداها وطال طيها تلألأت أمامنا شلالات الأضواء المتراقصة
السابحة في غلالة المساء التي نتركها وراءنا.
إذن إنها رياض الخير، عروس نجد ووجهة العرب والعجم.
ترى كيف تكون أيامي في ربوعها؟!
تلك قصة أخرى

الوسوم أنور-محمدين

التعليقات مغلقة.