المحس نوبة أم عرب؟

المحس نوبة أم عرب؟
  • 26 أغسطس 2024
  • لا توجد تعليقات

د. عثمان أبوزيد


يضمني (قروب) صغير مع مجموعة طيبة من أبناء المحس نتبادل موضوعات ثقافية واجتماعية بعيدا عن القضايا الخلافية والانصرافية.
قبل أيام وضع الأستاذ أنور محمدين في قروبنا هذا بحثا بعنوان: قبيلة المحس في وسط السودان كتبه الدكتور علي أحمد عباس محمد من كلية التربية في جامعة أم درمان الإسلامية. ذهب الباحث إلى القول بأن أصول المحس عربية وأنهم ينتسبون إلى أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي. وهذا يرد دائما على لسان من يتكلم عن تاريخ المحس في أواسط السودان، مستدلين أيضا بشجرة النسب لكثير من العائلات وفيهم نسب الشيخ أرباب العقائد مؤسس مسجد الخرطوم العتيق المشهور بمسجد فاروق. ويتصل نسب الشيخ أرباب العقائد الذي خرج من جزيرة توتي وأنشأ الخرطوم إلى الصحابي أبي بن كعب الخزرجي.
فور ظهور البحث المشار إليه في القروب بادر البروفيسور يحيى فضل طاهر من قسم الآثار في جامعة الخرطوم بالرد على البحث، وكتب: المحس نوبة وليسوا بخزرج ولا ينتسبون إلى رجل واحد، أيعقل هذا؟
ربما بعض المحس به دماء عربية ولكن أن ينسب كل المحس لرجل أتى من خارج البلاد ووجد امراة نوبية واحدة وتزوجها وأنجب المحس؟
ألم يكن هناك رجال نوبيون عندما أتى كعب الأنصاري؟
هذا الادعاء للأسف انتشر في فترة الفونج ولا زال البعض يصدقه في زمن فحوص ال DNA. (انتهى)
وعقب عليه أستاذنا البروفيسور علي عثمان محمد صالح وجاء في تعقيبه:
‏‪ الأخ الاكرم
ب. يحي
و كل آل ماسري. (ماسري اسم القروب المأخوذ من اسم المحس باللسان المحسي)
أهلنا المحس في وسط السودان
غيروا جغرافيتهم و تبعا لذلك يريدون أن يغيرَوا تاريخهم، فيقولون إنهم عرب.
ربما كذلك مع العامل الجغرافي كون أن كثيرين من أشراف قريش وأشراف اليمن وتلعراق وتركيا دخلوا السودان وصاهروا محس الشمال.
تاريخيا جاء أشراف إلى ديارنا من الدولة الفاطمية ثم مع الغزو العثماني في منتصف القرن السادس عشر؛ و ضم منطقتنا للخلافة الإسلامية تحت إدارة سنجكية المحس.
وحيث إن العثمانيين كانوا و ما زالوا أهل سنة كانوا يهتمون أكثر بتعليم القرآن والسنة.
و ليس صدفة أن في ديارنا ما يربو على ثلاثين قبة؛ مدافن مشايخ، كثير منهم ليسوا معروفين بأسمائهم، و أهلنا بيسموهم شيوخ عربو!
‪ وقد حدثني شيخنا و استاذنا
ب. عبد الله الطيب أن كثيرا من المحاربين مع بني أمية في معركتهم مع السيدة عائشة؛ فيما تسمى بمعركة الجمل؛ كانوا من المحس.
وأنهم هم الذين أنقذوا آل البيت إلى مصر وسوريا وأنه كان معهم في ذلك حفيد جابر الأنصاري و أنهم بعد توصيل آل البيت إلى مصر رجعوا إلى بلادهم غرب دلقو؛ كما قالوا.
و بعض الأشراف الذين دخلوا إلى بلادنا مع الجيش العثماني كانوا وراء هجرة بعض شيوخ المحس إلى ديار الفونج، بعد معارك الجانبين؛ العثمانيبن و الفونج في حدود منطقتنا الجنوبية.
وتعلم أننا مسحنا وسجلنا مواقع معسكرات الجيش العثماني في جزيرة سمت؛ قرية شقل.
ويستطرد البروفيسور علي عثمان قائلا: ومع هذا قلنا و كتبنا بأن المحس
نوبيون؛ بل هم القبيل الوحيد الذي ورد أمرهم في النقوش المصرية القديمة
المعروفة؛ ما بين الشلالين الأول والثاني، اسم نحسو أو نحسي. بل ذكروا بأرضهم؛ تا نحسي. لأن تا تعني أرض.
واعرف أن ملوك المملكة الوسطى
والحديثة تركوا لنا نقوشا باقية
حتى الآن في نوري و تمبس.
وأنا على ذلك اكتشاف مواقع من العصر الحجري القديم في وادي كدرمة و العصر الحجري الحديث في دفوي و أخرى.
كما نعرف أن جبل نوري الغربي كان محجرا للجير الاسمنتي (جبسم).
وأن بوابة قلعة نوري أسفل ذلك الجبل؛ كما قلعة شوفين و من مجموعة قلاع المملكة المصرية الفرعونية الوسطى، كما تعلم أننا سجلنا مواقع بارزة من فترة ما قبل كرمة.
كما أنك شخصيا درست وأجدت آثار العصور الحجرية في وادي مسيدة و دفوي ولك طالبة، محاضرة في الآثار؛ تعد لدرجة
الدكتوراة في تلك المادة.
كما أني اوجزت في مكان آخر، غير هذا، عن معنى ومضمون ودليل اسم نوري.
وأعد الآن بحثا مطولا بدليل آثاري ثابت، لماذا يسمى جبل نوري الغربي بجبل عيسى.
و يمكن أن ازيد على كل هذا؛
و لكني اطلت بما يكفي و أكثر.
أبعد كل هذا نحن خزرج؟؟؟؟؟؟ (انتهى حديث أستاذ علي).
وإن كان من تعليق على كلام الأستاذين الكبيرين، فإن دعوى انتساب القبائل إلى العرب تعد ظاهرة منتشرة وسط أغلبية الأقوام في الأمصار بإفريقيا وآسيا، ولعل الأمر كان له صلة بانتشار الإسلام نفسه، لأن بعض الشعوب نظرت للدخول في الإسلام انتسابا للعرب، وفي الانتساب للعرب ما قد يميز بعض القبائل والشعوب أو يمنحها نوعا من الحماية. وهذا رأي سمعته في لقاءات علمية ومؤتمرات في بعض دول إفريقيا وآسيا.
ومهما يكن فإن منطقة المحس ظلت في التاريخ طريق هجرات وقوافل ودروب غزاة، وظلت الشعوب منفتحة بعضها على بعض، ولا يمكن لأي شعب أن يدعي النقاء العرقي الكامل، فالقول بوجود دماء عربية في النوبة ودماء أخرى كذلك هو القول الفصل كما تفضل البروفيسور يحيى.
ومما لفت نظري في مخطوطة لمفتش مركز وادي حلفا حسن دفع الله آخر مدير مديرية لحلفا قبل التهجير أنه قسم النوبيين إلى نوبيين أصليين ونوبيين عرب ونوبيين أتراك، إلى جانب فرع صغير اسمهم المجراب وهي فرع نوبي ينتسبون إلى المجر.
وقد يذهب كلامي إلى أبعد من هذا، فعندما قابلنا ملك قبيلة الماساي الإفريقية، ووجدنا تشابها في سحنات الماساي واللغات مع المحس، (لغة الماساي فيها جملة كاملة نوبية). بل إن (ماساي) و(ماسي) ليكادان يتطابقان في الاسم بجذر لغوي مشترك.
أهذه مصادفة؟!

التعليقات مغلقة.