لا عاش من يفرقنا وطناً وأمة وقارة

لا عاش من يفرقنا وطناً وأمة وقارة
  • 07 سبتمبر 2024
  • لا توجد تعليقات

د. حسين حسن حسين

يكثر الحديث عن دور الثقافة في الوحدة الوطنية، وفي تحقيق التقارب بين الشعوب العربية، حتى بدا هذا الحديث ممجوجاً، ومملاً. ولكن عندما يكون البيان بالعمل تعود إليك القناعة بأنَّ هذا ليس شعاراً فارغاً أو حديث فض مجالس كما يقولون، وإنما هو الواقع بعينه.
عندما تقوم مؤسسة ابتدعها سودانيون في ظلِّ ظروف الحرب اللعينة في قلب القاهرة بجمع اليمني والشامي والمغربي، مع المصري والسوداني بالطبع، في أمسية خالية من البروتوكولات الرسمية الروتينية، وتنطلق فيها الألسن متحدثة عما في القلوب بعفوية وأريحية، تأتي الحقيقة ناصعة، وهي أنَّ أوطاننا فيها من عوامل الوحدة أكثر من عناصر الفرقة، وأنَّ لدينا في دولنا العربية قوى ناعمة تمثل حسوراً للتواصل العميق غير موظفة، بل غير مكتشفة.
لقد أثبت مركز فيجن للتدريب والتنمية المستدامة – برعاية البورد الأمريكي لعلماء التنمية البشرية، المكتب الإقليمي- هذه الحقيقة الناصعة بتنظيم جلسة مؤانسة مصرية يمنية سودانية، على شرف الدكتور نزار غانم الطبيب اليمني الذي يهيم بحب السودان، وهو الذي تفتحت آفاق ثقافته وفكره في مقرن النيلين، وبحضور باذخ للسفيرة الصحفية أسماء الحسيني، التي تستحق لقب السفيرة لدورها البارز في تجسير علاقات مصر والسودان، على المستوى الشعبي والثقافي، إلى جانب مشاركتها الواعية في تحليل أوضاع السودان، وبمشاركة رائعة للفنان المتمكن دفع الله الحاج علي، الذي قدم نماذج رائعة تثبت تنوع الفن والثقافة السودانيين وتمازجهما، بل رسوخ التأثير المتبادل بين الشمال والجنوب القديم، الذي يظل جزءاً عزيزاً من الوطن.
وكان وجود الإعلامي والفنان الرائع ومكتشف النجوم بابكر صديق قيمة مضافة، وأن يكون مساهماً في اكتشاف د. نزار ودفع الله، لدليل على دوره الكبير في تفتح زهرات في حديقة الثقافة.
تخلَّت الأمسية عن الرسميات، فانداحت المشاعر، وتفاعلت القلوب مع الكلمات التي جاءت حاملة حقائق الواقع، وهي الوحدة الوجدانية للعرب، وأهمية البعد الأفريقي الذي تؤكده سومانية نزار غانم، وعشق الإعلامية أسماء للقارة وشعوبها، مع خصوصية السودان بحكم الجوار والمشتركات، ومنها التصاهر، وجاء صوت محمد وحيد الفنان المصري وهو يتغنَّى بقصيدة غانم عن (مقرن النيلين ملتقى البحرين) مع دمعات حرم الدكتور غانم ليرسم لوحة حب لا يمكن ترجمتها بالكلمات.
وكانت مشاركة الجزائرية أمينة منصور والإعلامية سيسيليا ابنة السودان شماله وجنوبه تعميقاً لقيمة هذه اللوحة التي ازدانت بكلمات الدكتورة ثريا العسيلي حرم الشاعر الكبير عبدالمنعم عواد يوسف وأشعار محمد المكي إبراهيم وعبدالقادر الكتيابي بصوت الصحفية أسماء الحسيني.
هذه الأمسية تأكيد لدور مركز فيجن في تعميق العلاقات الثقافية حتى استحق مديرها الأستاذ أسامة عبدالماجد لقب سفير الثقافة العربية، فهو إلى جانب الإسهام في تطوير قدرات الشباب وتأهيلهم لسوق العمل، يعمل على الارتقاء بالثقافة وتجسير العلاقات.
دكتور حسن رجائي المدير الإقليمي للبورد الأمريكي وحرصه على تعزيز العمل الثقافي من عوامل دعم العلاقات الثقافية بين المؤسسات العربية التي تحتضنها مصر كدأبها، بوصفها كبيرة الأمة التي ندعو لها بدوام الأمن والاستقرار.
لقد كانت عفوية الدكتور هالة عبدالله خليل وهي ترحب بالضيوف، والتقديم الراقي للزميل محمد الأمين أبوزيد، مع جهد الشباب الواقف على التنظيم من أسباب نجاح هذه الأمسية التي تؤكد عمق علاقاتنا العربية والأفريقية، ووجود قوى ناعمة يجب توظيفها لديمومة هذه العلاقات، ولقد كان لي شرف الحديث من خلال علاقتي بمصر مند الميلاد على أرضها إلى اليوم، فهي نموذج لقبول الآخر، واحتضان كل العرب، بل كل الجنسيات بلا تمييز، كما أنَّ أرض النوبة التي أتشرف بالانتماء إلى شمالها وجنوبها جسر ممتدٌّ للتواصل الحميم بين الشعبين الشقيقين، وقد شرفت بوجود ابن عمي ابن النوبة ومصر الإعلامي الكبير نبيل نجم الدين، النموذج المثالي للقوة الناعمة الدافعة للعلاقات الثقافية والإعلامية بين شمال الوادي وجنوبه.
شكراً فيجن، فقد أهديتيني أمسية تؤكد الحقائق، وتثبت أن الأماني ممكنة.
المحصلة: لا عاش من يفرقنا وطناً وأمة وقارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*