(في الثقافة الأفرويمنية) كتاب ينتصر للتنوُّع والتعددية وقبول الآخر

(في الثقافة الأفرويمنية) كتاب ينتصر للتنوُّع والتعددية وقبول الآخر
  • 13 سبتمبر 2024
  • لا توجد تعليقات

د. حسين حسن حسين

بمبادرة كريمة من المجلس المصري للشؤون الخارجية، منحنا الدكتور نزار غانم أسبابًا جديدة للرهان على الثقافة والفنون لتكون جسراً للتواصل بين الشعوب العربية، والانفتاح على أفريقيا، التي تربطها أوثق العلاقات مع العالم العربي.
بدايةً أعجبني تبني المجلس لهذه الندوة الثقافية، وحماسة القائمين عليه لجعلها دورية، وحفزهم للحضور لتقديم ما لديهم من رؤى لتنفيذ الفكرة، وتجسيدها واقعاً.
وأعجبني أن يكون المشارك في التأليف شاب يمني مهتمٌ بالثقافة والفنون، وبقضايا النشر، فكانت هذه المزاوجة بين الخبرة الممثلة في د.نزار وروح الشباب الممثل في الباحث محمد سبأ من عناصر قوة هذا المشروع الثقافي الذي يستحق الدعم، والذي يجب أن تنهض به مؤسسات ثقافية راسخة.
المشروع الذي يطرحه الكتاب يسهم بالنسبة لنا في السودان في فض الاشتباك بين العروبية والأفريقانية، وتأكيد أن العربية لسان وثقافة وليست عرقاً أو جنساً، ومن ثم لا يحتكر العروبة قسم من أهل السودان دون القسم الآخر، كما أن الأفريقانية واقع جغرافي بأبعاد ثقافية، يتشارك فيها الجميع، ومن ثم، يجب إقصاء عناصر اللون، والسحنة، وغيرهما من العناصر التي يتمسك بها قصيرو النطر من الإقصائيين الذين لا مكان لهم في السودان، الذي ينبغي أن يكون في المستقبل القريب.
أقول هذا وقد اقتحم د.نزار بجرأة كثيراً من القضايا المسكوت عنها، مؤكداً التأثير الأفريقي الواضح في الموسيقى والفنون الشعبية اليمنية، إلى جانب الأصل الأفريقي لكثير من سكان السواحل اليمنية.
وإذا أخذنا في الحسبان أن السودان بلد أفريقي، نجد كثيراً من الأسر السودانية ذات الأصول اليمنية، ويبقى الشاعر السوداني اليمني الأصل حسين بازرعة أبرز مثال.
ألهم هذا الكتاب الحضور، الذين طرحوا ما يدعم المشروع الذي يتبناه الدكتور نزار من خلال السومانية (العلاقات السودانية اليمنية)، و(الأفرويمنية)، ومن ذلك مطالبتهم الباحثين لتوسيع إصدارهما القيم ليكون في طبعته المقبلة (في الثقافة الأفروعربية)، بل طالب السفير عزت سعد السيد بتناول الحضور اليمني في المشهد الآسيوي، الذي يتبدَّى بوضوح في كثير من الدول الآسيوية.
كما طرح المشاركون مصطلحات القوى الناعمة، والدبلوماسية الشعبية وقبول الآخر، وإدارة التنوع، وغيرها من المصطلحات التي تُعلي قيمة الثقافة والفنون في تحقيق التواصل، وتجسير العلاقات بين الشعوب.
وبدا كثيرون متفائلين بأن تكون الثقافة مدخلاً لاقتحام الملفات السياسية الشائكة، وإيجاد حلول لها، بإعلاء المشتركات، وزيادة مساحتها من خلال تحمُّل المؤسسات والنخب الثقافية مسؤوليتها لتغليب المصالح المشتركة، لتكون محل القطرية الضيقة التي تتسم بالأنانية، وفي بعض الأحيان بالاستعلاء.
مع استمتاعي بما طُرح من رؤى عميقة، إلا أنَّ ما أسترعى انتباهي ضعف التوثيق، فندوة ثرية كهذه تستحق أن تُسجل صوتاً وصورة، وأن تكون مادة تتناولها وسائل الإعلام، وتحتفظ بها مراكز البحوث، كما أنَّ ضعف الحضور الإعلامي في المنتديات الثقافية أمر لافت، وقد غلبت وسائل إعلامنا العربية الترفيه على الثقافة، في حين يمكن تقديم مثل هذه الندوة بالذات من خلال نماذج غنائية وفنون أدائية تسهل وصول المعلومة، وترسخها في الأذهان.
ومن دون إعلام واعٍ يتبنَّى الثقافة الجادة لن تجتاز أفكارنا وتصوراتنا وأشواقنا حدود القاعات المغلقة، ولهذا على العاملين في الحقل الثقافي ضمان انحياز الإعلام لطروحاتهم، ومعالجة قضية العزوف الإعلامي عن تغطية الفعاليات الثقافية الجادة.
ولا بد من الإشادة بالمجلس المصري للشؤون الخارجية برئاسة السفير الدكتور عزت سعد السيد، وبصبر إدارة الندوة ممثلة بالسفير د. صلاح حليمة، وبمشاركة كل من السفير ًد. أشرف عقل، والفنان الدكتور كمال يوسف، اللذين قدما رؤية نقدية ألقت الضوء على جوانب مهمَّة في الكتاب، فطرح عقل أهمية الاهتمام بالدبلوماسية الثقافية، لتسري العافية في شريان العلاقات بين الدول، وطالب يوسف بأن تُضمن مفاهيم هذا الكتاب في المناهج الدراسية، وقد أثرى النقاش الحضور من دبلوماسيين وأدباء وإعلاميين ومهتمين بشؤون الثقافة.
وختاماً ندعو الله أن يديم على مصر نعمة الأمن والاستقرار، وهي تحتضن بحب الجميع برحابة وحفاوة، وهذا ما يليق بأم الدنيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*