● بمناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعوديه الشقيقه ، اتقدم باسمى ايات التهانئ القلبية لشعب هذا البلد الأمين ولقيادته الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله.
💚 جدة شئ من وحي الجمال{حبيبي مرني بجدة ، تزول عن قلبي الشدة }:
● في تلك الأمسية من ذلك العام البعيد في فواتح الثمانينات وأنا على متن طائرة { الميدل ايست } المتجهة إلى مطار جدة ، كان إحساسي وهي تحلق بعيدا عن أجواء الخرطوم كطائر تاه عن سربه في ليلة عاصفة ، ظللت طوال الرحله غارقا في هواجسي من الغربه بعيدا عن الأهل والأحباب ولم افق من غفوتي إلا والطائره تناور فوق أجواء جده للهبوط ، ورحت أطل من النافذة على المدينة التي بهرتني أضواؤها وكان مطار جدة انذاك في قلب المدينه. علقت شنطة ال {هاند باق} القديمه على كتفى وكان محتوياتها{سروال وعراقي وجلابيه وطاقيه وعمامه وحفنة تمر ولفافه { دلقانه } صغيره من الحبة السوداء اودعتها الوالدة في جيب الشنطة خزيا للعين والحسد كما قالت. التقيت خارج المطار بسوداني تفضل بتوصيلي الى دار جمعية ابناء السكوت (بالشرفيه) وكانت المملكه وقتها تعيش في ذروة طفرتها التنمويه وتشهد رواجا كبيرا في سوق العمل، لذلك تحصلت بسرعة على وظيفه بالخطوط السعوديه ، ووجدت في رحاب جده { الحب بضم الحاء ، والحب بفتح الحاء كناية عن الكرم}
● جده مدينة جميله وانيقه تتدثر بالبحر وتلبس له اجمل موضات الازياء وترفل بغنج ودلال ، تقابلك وأنت لم تكد تخطو خطواتك الأولى فيها برزاز من الرّطوبه كأنه فيض من دموع فرحة اللقاء ، شواطئها تنبض بالحياة ليل نهار، هنا للحياة معنى ومعزي يعيشها اهالي البلاد الطيبة المبروكه وضيوفهم على نَوْل أيامهم الرّخية في ظلال واحة الامن والامان في ظل القيادة الرشيده لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الامين صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان حفظهم الله.
● لأمواج البحر في جده ترانيم تناجي الوجدان ، شعرت براحة بال وبصفاء نفسي وذهني ، وكنت كلما اسوح في كورنيش جده اقف لاتابع تداخل زرقة مياه البحر اللازوردي في صفاء زرقة السماء عند منتهى حدّ النظر في منحنى الافق وتمازجهما في مشهد كوني بهيج واردد بتلقائية (سبّوحٌ قدوس)..في سواحل جده تداعب أنفك روائح شواء الاسماك المنبعثه من جنبات الشاطئ مختلطة بعبق ” الجبنة العربيه” الذي تثير فواحها مزاجي فاتذكر مقاطع اغنية فلكلوريه لقبيلة {الهدندوه} في شرق السودان وهم اصحاب مزاااج وكييف للجبنه { سوي الجبنه يا بنيه فوق ضل الضحاويه ، الجبنه التسويها حالف ما بخليها ، فنجان جبنه بي شماله يسوي الدنيا بي حاله}وجده يا هوى الولهان،وجده غير. تتعالى في اجوائها ضحكات السمار من جنبات الكورنيش بكوراليه منسجمة مع عذوبة اصوات الاطفال يمرحون ببراءة فوق رمال الشاطى ، يقفزون برشاقه فراشات مجنحه هناك وهناك تارة ، وتارة اخرى يجلسون وبنشوة مرح طفولي يبنون قلاعهم الرّملية ومن حين لاخر تحدث لنشات سريعه تبحر جيئة وذهابا على امتداد سواحل الكورنيش جلبة ضوضاء في المكان ، وجموع غفيره من المصطافين داخل البحر يسبحون بمرح ، ومطاعم فاخره على امتداد الكورنيش تقدم اشهى الماكولات، الى جانب اكشاك صغيره حديثه على الارصفة تبيع وجبات سريعه ومرطبات ، وما اشهي الوجبات البحريه في قعدات اريحيه محضوره تتناولها مع الاهل والاحباب فوق ارصفة كورنيش جده وعلى الهواء الطلق..
● جده يا هوى الولهان ، دلال ومهابه معذوره لو تكبرت ، مغروره يا بخت الغرور ، من قدها بدر البدور،مدينة فارهة الابتسامة والبشاشة وتعشقها الحياة، تدمن السهر ولا تعرف التثاؤب، تسهد عيون عشاقها فلا تغمض لهم جفن ، وكان الشاعرالمحروم سمو الامير عبدالله الفيصل من عشاق هذه المدينة الفاتنه ، كان يجلس فوق صخرة الزكرى في كورنيش ابحر ويبث لواعج شوقه وحنينه للحبيبه ويذكرها بالايام الخوالي( يا حبيبي ظمأت روحي وحنت للتلاقي وهفى قلبي الى الماضي وناداني اشتياقي ،انا ظمأن الاقي من حنيني ما الاقي، فاسقني واملأ من النور ليالي البواقي ، طال شوقي وحنيني آه من طول حنيني ، ياحبيبي هذه الصخرة جئناها صباحا ومساء، وروينا قصص الحب عليها سعداء ، ما الذي فرق شملينا فصرنا غرباء ، يا حبيبي آه من حاير امالي ومن جائر حزني ، فمتى تلقاك عيني ايها الغائب عني . عد الى الشاطيء نحيا فوق تلك الربوات ما تولى من عهود واماني باسمات ، نشهد الدنيا على نور السنا والبشريات ، ونغني للهوى سر المعاني الخالدات}،وافتتن بهوى جده عشاق كثيرون هاموا بحبها ومنهم الشاعر حمزه شحاته الذي رسم لوحه قلمية من عناقيد الكلم يتغزل في محاسنها ( النهى بين شاطئيك غريق والهوى فيك حالم ما يفيق ورؤى الحب في رحابك شتى يستفز الأسير منها الطليق ، إييه يا فتنة الحياة لصب عهده في هواك عهد وثيق ، ويذوب الجمال في لهب الحب إذا آب وهو فيك غريق ، فيك من بحرك الترفق والعنف ومن أفقك المدى والبريق)وفاضت تباريح الوجد بالفنان فوزي محسون وبث عتابه للحبيبه وهو يستعيد زكرياتهما معا في جده في ايام سلفت وعشقا كان مستحق ( نسيتنا واحنا في جده ونسيت ايامنا الحلوه ، ولا عاد زله او طله يحق الكم لنا الله، وسبحانو قدرو عليك) وتتعطرشواطئ جده البهيجه بانفاس الاحباب ويا لها من مدينة فنانه تعشق الطرب الاصيل، هنا كانت وما زالت لمواويل الفنان الراحل طلاح مداح ايقاع وصدى { يا سارية خبريني عن ما جرى خبريني، وحبيبي ايش جرالو، ايش اللي شاغلو بالو ، هو حبيبي نساني والا غوا جو تاني ) وهنا تشنف الاسماع ابداعات كوكبة من نجوم الطرب..
● كان في بعدي حين يستبد بي الحنين الى جده ، يتواتر رهابا عبرالمدى صدى مقاطع اغنية اثيره لفنان العرب محمد عبده كان يترنم بها صديقي { نضال الجفري نجل الاديب المعروف عبدالله الجفري } بنغيم فاهه العذب السمح في لحظات استرخاء من عناء العمل(حبيبي مرني بجده، تزول عن قلبي الشده، منى عمري يطول عمري عشان نقضيه سوا بجده ، حبيبي لما بزهم لك ، أحن وانشغل اكثر ويزداد الفؤاد حيره لو انك عني تتحير ، منى عمري يطول عمري عشان نقضيه سوا بجده ، حبيبي قلبي في أبحر يموج الموج على خفقه)..{ جده شئٌ من وحي الجمال} عباره اقتطفتها من مقال لبلدياتي الاديب محمد سيد ود امينه ، فحقا جده يا هوى الولهان زفرة شوق حرّى وتوقٌ روحٍ لمدينه غزت النفس واتحكرت في العمق العاشر ، حنين لجلسات أنسٍ في حضرة الذاكرة للمكان ومن رافقونا فيه يوماً، حنين وشوق متجدد للمدينة التي تشبهني في رحابتها وعنادها وتفاصيلها التي تداعبني، هي تحفزني دوما بالامساك بالقلم لاكتب مثل هذه الخربشات المتواضعه. جده الماضي الزاهر والحاضر الفاخر والغد الباهر ، واوااه من عبقها الروحاني .. جده بوابه الحرمين الشريفين لملايين الحجاج والمعتمرين من ارجاء المعموره، وللتاريخ حضور في حاراتها ببيوتها التراثيه ورواشينها المميزه { حارة المظلوم وحارة الشام وحارة اليمن وحارة البحر } وبواباتها التاريخية الثمانية (باب المدينة ، باب جديد ، باب مكة ، باب النافعة ، باب الصبة ، باب شريف ، باب المغاربة وباب اليمن} واحياء جده الحديثة { المودرن }، عمارات شاهقه وشاليهات فارهه وفلل فاخره وشوارع واسعه معبدة واسواق عامره ومولات زاخره بكل خيرات الدنيا ومنتديات نشطه ومقاهي ومطاعم فاخره وفنادق عالميه.في سوق باب شريف كان ينعشني عبق الروائح السودانيه ( الخمرة والصندليه والسرتيه والمجموع) وتعيدني اشكال وانواع موضات الثياب النسائيه السودانيه والعراريق والسراويل والعمم والجلابيب الرجاليه والمراكيب الفاشريه المدبوغه من جلود الاصله والنمر المعروضه في المتاجر، تعيدني الى عز ايام (السوق الافرنجي والسوق العربي في قلب الخرطوم) واسماء موضات الثياب الرائجه في رفوف متاجرها انذاك (رسالة لندن، والخرطوم بالليل، وابو قجيجه) الخ ..
● رغم البعاد ما زلت احمل زكريات جده كقنينة عطر في حلي وترحالي، ولا زالت اسماء احياء جده موكره في الذاكره {الشرفيه ،الكندره البغداديه، الرويس ، المشرفه، عنيكش، الهنداويه، بريمان ، العزيزيه ، غليل، الثعالبه، الكرنتينه ، الجامعه، الربوه السليمانيه، الروابي، الاندلس، الحمراء، الرحاب ، النسيم ، بني مالك، الفيحاء ، حي الورود ، حي الزهور ، النزهه ، السلامه ، الشاطئ، الزهره ، المحمديه، الروضه، الخالديه، البوادي ، الفيصليه، السامر ، المرجان، الصفاء ، النهضه، النعيم ، الخالديه ، تول، ذهبان، ابحر الشماليه وابحر الجنوبيه)..
● وللرياضه كانت لها نكهة في جده ومن حظي ان جمعتني زمالة العمل بالكابتن غازي كيال الحكم المعروف وكان اتحادي الهوى ، والصديق عبدالفتاح سراج عضو مجلس ادارة النادي الاهلي والذي الحقني بعمل اضافي مسائي في النادي الاهلي، ولكن كما يقولون (اللي في القلب في القلب) فقد كان عشق (الاتي موج البحر تمكن مني حد النخاع) وكان كورنيش جده يتحول الى ساحة احتفال كرنفالي يسهر (الفانس) حتى الصباح في حالة فوز احدي قمتي جده (الاهلي او الاتحاد) وتملأ اهازيجهم الاجواء(اتي يا موج البحر) والاهلاويه يرددون مقولة الامير عبدالله الفيصل( انتوا بشر معكم عقول طول العمر ، طول الدهر جده كذا اهلي وبحر).
● يا الهي ،انه الوداع ، كانت امسية من اماسي جده عام ٢٠٠٥م ، تجمع زملاء العمل بالخطوط السعوديه لوداعي في حفل اعدوه في (شاليه) بابحر الشماليه ، وما اصعب لحظات الفراق بعد زمالة ربع قرن من الزمان(يوبيل فضي) كانت من اجمل عهود الظل في العمر وسط كوكبة من الزملاء سعوديين ومقيمين من حنسيات مختلفه. غشيتنى سحابة حزن دفين، ما اقسى احساس انك قد لا تلتقي بهؤلاء الصفوة مرة اخرى حين تتفرق بنا دروب الحياة ، فرت دمعات فشلت في اخفائها وانا اجيل النظر بحزن المفارق في وجوههم وتترى على شاشة خيالي امكنه ومناسبات جمعتني بهم ، وعيش وملح تقاسمناه سويا في اخوة ومحبه. في شرود رحت اتابع سفينة كانت تبحر لحظتها في يم البحر تداعبها وتراقصها الامواج الصاخبه، وابحرت معها في توهان غفوتي لميناء {سواكن} لاسافر منها برا الى قريتي المنسية في قاع العالم هناك في الشمال القصي من السودان..اواسي نفسي واردد همسا:{ اذن انها العودة بعد حصاد الخريف} يقول الروائي الطيب صالح (إنك لا تدخل المدن، ولكنك تغوص في أعماق ذاتك، بحثًا عن صور المدينة التي عشقتها في خيالك).. تقودك المشيئة يوم ما لمدينة وتعشقها لتبقى موكرة في القلب والذاكرة ، فتغادرها بحنين جارف بحلم الرجوع وعشم اللّقاء، تلك المدينه الحلم هي جده يا هوى الولهان.
{{ سيد حسن مراد}}
💚 من كورنيش جده يا هوى الولهان ، اطرى الله على ايامها بالخير..