المولد في دلقو .. بهاء ورواء

المولد في دلقو .. بهاء ورواء
  • 21 سبتمبر 2024
  • لا توجد تعليقات

أنور محمدين سياتل

عصف بي الحنين فقد طالت مشاركتي في احتفالات المولد النبوي العظيمة بدلقو سنوات مديدة لذا شددت الرحال إلى البلد من العاصمة خصيصا قبل نحو 5 سنوات.
تحركنا من قلب سوق دلقو جماعة عند الظهيرة بأعلامنا والتحم معنا موكب سعدنكورتى ٱمام جامع دلقو العتيق فسرنا معا فمازحت العزيز عبد الصافي الذي كان يحمل بيرقا مرفرفا في حماس.
الصبية يتسابقون على ظهور الدواب وفي كل منحنى وشارع ينضم إلينا عدد يزيد الزفة أوارا وإمتاعا مع زغاريد الحسان المتدفقة المتسقة مع شلالات المنشدين المتناغمة المتعالية ولم يتخلف عن التحية حتى كبار السن والمرضى الذين استقبلوا الموكب بترحاب يملؤه البشر الطافح. وكان الأطفال بالخلف يهرولون لاهثين في محاولة مستميتة للحاق بالطليعة المسرعة.
ها قد وصلنا منطقة الشيخ مرزوق وقبته تزار على مقربة منا وهو عالم من مؤسسي أول دولة إسلامية في السودان في ربوع المحس الأوسط.
اصطففنا وتقدم أهلنا في أقترى ينتظمون في صف ممتد مقابل والقصائد الصادحة تتلاحق في نشوة عارمة.
خيرون يوزعون العصاير وأكواب الشاي بحليب وخبيز على المحتشدين تطوعا وتبركا وبذلا على أرواح من فقدوهم من الأرحام وسط عبق المباخر الآسر.
حين تهيأت الشمس للغوص وراء الٱفق ارتفعت دعوات الشيوخ الرطيبة ترددها حناجر المحتشدين من الجنسين من كل الأعمار ثم أقبل الجمعان والكل في عناق حميم سائلين المولى أن يعيد المناسبة البخيتة والبلاد في رفاء والعباد في رخاء:

.. وتدانت أنفس القوم عناقاً واصطفاقاً
وتساقوا نشوة طابت مذاقاً

عدنا وكل يمضي إلى بيته فيما يتجه بعضهم لساحة المولد في سوق دلقو التاريخي المبارك حيث يقدم الشاي من قبل أخيار درجوا على الخير سنويا في تطوع محمود.
يزدحم المكان باطراد بإقبال المحتفلين من دلقو ومن القرى المختلفة فيما ينشر بعضهم بضائعهم من الكبري حتى مداخل السوق بما يشبه سوقا شعبيا موسميا يجد كل شخص فيه مبتغاه من حلويات المولد مرورا بالمأكولات والمشروبات وليس إنتهاء بالملبوسات والعطور فيما تشرع بعض المحال التجارية أبوابها للمتسوقين.
عندما يكتظ الموقع بالحضور تقدم لهم صواني اللحوم والفتة الشهية يعقبها الشاي المنعنع على مدار الاحتفال الذي يعده ٱبناء الخال حاج صالح حسين اقتداء بوالدهم وكل ما يقدم يعد من قبل متطوعين ومتطوعات فيما يتبرع بثور مكين كل عام أحد الفضلاء منذ سنين عديدة تمتد أكثر من قرن.
وممن تبرعوا في الأعوام الخوالي التي عايشتها الكرام علي زبير ومبشر الٱمين ومحمد محمدين وعبد الرحيم نوري وغيرهم وفي المعاصر يتسابق شباب رجال الٱعمال في سخاء.
بعد سرد للسيرة النبوية وختم للقرآن الكريم يشرع المنشدون في ترديد قصائدهم الدينية الجميلة في الليلة الخاتمة بعد أن أحيوا الليالي السابقة في مسايد أنحاء دلقو الكبرى تباعا.
في الزحام عانقت أخي نجم الدين أرو مهنئا الذي كان قد وصل البلد قبلي ثم اتجهت لموقع إعداد الطعام محييا ومهنئا ولسان حالي يردد مع أمير الشعراء وكوكب الشرق:

ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
الروح والملأ الملائك حوله
للدين والدنيا به بشراء

تصل النشوة سنامها مع فريق من المنشدين وسط الحلبة يتهادى وهم يبدعون متمايلين في الإنشاد المنغم الذي تردده الجنبات كافة مع انسياب الزغاريد المتماوجة وعندما يصل التجاوب مع المديح ذراه تنحنى الحشود ثم تجثو على الأرض مرددة في انفعال استغراقي:
حيم حيم
قيم قيم

وتلح في خاطري روعة المجذوب والكابلي:

.. ومكان الأرجل الولهى طيور
في الجلابيب تثور .. وتدور
تتهاوى في شراكِ
ثم تستنفر جرحي وتلوب

يتواصل الاحتفال الحولي الرائع رغم لسعات البرد لتنصرف الجماهير في حبور مع انتصاف الليل ولتظل انطباعات الناس حول الاحتفالات الكرنفالية لسر الليالي سيدة المجالس في اليوم التالي وما يلي.
أعيش هنا بعيدا على الذكرى حيث لم أجد له صدى إلا أول من أمس حين صادفت في محل تجاري صومالي مكعبات الفولية والحمصية والسمسمية عالية اللذاذة التي تحمل طعما نكها له في خاطري ٱلف معنى.

من آخر الدنيا
كل مولد ٱنتم بخير

أنور محمدين
سياتل
ولاية واشنطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*