تزامنًا مع عودة الأديب النوبي مكي علي إدريس إلى موطنه الأصل “عبري”، بعد غربة استمرت لسنوات؛ قدم خلالها العديد من الأعمال الفنية والأدبية والدراسات والبحوث في التاريخ واللغة والشعر وغيرها، ومنها قاموس اللغة النوبية الشهير؛ على جميع النوبيين السودانيين من وادي حلفا شمالًا حتى دنقلا جنوبًا، ومعهم النوبيين المصريين شمالًا حتى أسوان، التعاون والتشارك من أجل تحقيق هدف تدشين (مركز مكي علي إدريس للدراسات النوبية).
وفكرة المركز تستحق أن ترى النور، لأن الأديب مكي علي إدريس يمثل الفن المتكامل، فهو عالم في اللغتين العربية والنوبية، ورسام ضليع، ونحات بارع، وعازف متمكن، ومؤلف موسيقي، ومعلم، وشاعر، ومطرب، وكاتب له اسهامات أدبية مشهودة، ومؤلف له إصدارات أثرت الساحة الأدبية وآخرها (قاموس اللغة النوبية)، إضافة إلى كونة باحثًا في التاريخ والحضارة والتراث النوبي، ويعتبر من المراجع القليلة التي نعتمد عليها في توثيق تاريخ المنطقة وأنسابها.
شخص يحمل كل هذه المواصفات يستحق التكريم بإطلاق مركز دراسات نوبية يحمل اسمه، والاستفادة من تواجده في المنطقة ليظل قائمًا على المركز يديره بكل ما يحمل من ثقافة وعلم، والعمل ليصبح المركز تجمعًا لكل المبدعين النوبيين، ومكانًا للتخطيط والتنفيذ وإخراج الأعمال الفنية، وكذلك مركزًا لتعلم اللغة النوبية، والتدرب على كل ضروب الفن من نحت، ورسم، وموسيقي، وشعر، وغناء، وكتابة، وعزف وغيرها من ضروب الفن والثقافة التي تحتاج فعليًا إلى مركز يحمل هذه المواصفات، ويدار بأشخاص لهم إمكانيات وقدرات عالية، وبذلك تصبح المنطقة مكتفية ذاتيًا من هذا الجانب، وكلي يقين بأن هذا المركز سيتوسع في أعماله في غضون سنوات قليلة ليكون له فروع في كل المناطق النوبية.
رسالة أضعها في بريد الأندية الرياضية التي من أهدافها الأساسية بجانب الرياضة، تنمية الجوانب الثقافية والاجتماعية، وهذه الأندية كانت يومًا تشتعل بالأنشطة والأعمال المسرحية والفنية التي شكلت وجدان أبناء المنطقة، وهنا أخص نادي عبري الرياضي الثقافي الاجتماعي الذي تأسس في العام 1959م، ليتلقف مبادرة إطلاق هذا المركز، كما تقدم الصفوف لاستقبال الأديب كما يستحق، وهنا لا يمكن ان نتجاوز اندية “الاتحاد” و”تبج” و”عمارة” و”أرنتى”، ولا ننسى أندية جزيرة صاي “عدو، صيصاب، أرودين، موركة)، لتتشكل منهم اللجنة التمهيدية التي ستحمل الفكرة إلى بقية اندية وكيانات المنطقة النوبية في وادي حلفا والسكوت والمحس ودنقلا، وكذلك الجانب المصري، كما أبعث برسالة أخرى إلى الكيانات النوبية بدون فرز، للمساهمة في بناء هذا المركز بالرأي والدعم المعنوي والمادي، ورسالتي التالية إلى كل الناشطين النوبيين على امتداد المنطقة النوبية وأخص جميع المغتربين، ليدعموا الفكرة وليشهدوا مولدها، ورسالة مهمة في بريد المطربين النوبيين والشعراء، أن هلموا لدعم قيام مركزكم الثقافي، فأنتم أولى الشرائح في تشجيع قيام المركز، ورسالة أخيرة في بريد كل النوبيين من أسوان شمالًا حتى دنقلا جنوبًا، وأنا على ثقة أن النوبيين لهم القدرات الكافية لبناء مثل هذا الصرح، فهم دون شك رواد العمل التكافلي والتعاوني داخل وخارج السودان ومصر.
تنفسنا الصعداء ونحن نشاهد مكي على إدريس وهو يتوشح تمرًا نوبيًا، وأهالي عبري يستقبلونه عند مدخل المدينة بأهازيج الفرح والأشعار النوبية الخالدة، إذ تعتبر عودة مكي على إدريس إلى موطنه حدث يجب الاحتفاء به بطريقه تليق، وقريبًا بحول الله وبتضافر أبناء النوبيين من حلفا شمالًا حتى دنقلا جنوبًا؛ سنشهد حراكًا ثقافيًا جديدًا يعود بالمنطقة إلى عهدها الزاهر الذي فرخ عمالقة الشعر والفن من لدن خليل فرح والجيلي عبدالرحمن ومحمد وردي وحسين ألالا وغيرهم، ونتمنى من الجميع الوقوف لتكريمه كما ينبغي، ويا ليت لو تم الاتفاق على فكرة إطلاق (مركز مكي علي إدريس للدراسات النوبية)، من على منصة التكريم، فهذا المركز هو أفضل تكريم يليق بقامة نوبية يمثلها الأديب مكي.
وختامًا نقول؛ مرحبًا بمكي على إدريس في موطنه الأصل ومصدر إلهامه، ونتمنى له إقامة هانئة هادئة ومليئة بالعمل الثقافي المثمر..
حبا- وودا