يتابع العالم بذهول ما يتحقق في المملكة العربية السعودية من إنجازات عظيمة ترجمةً لرؤية 2030، إذ يظن كثيرون أنَّ هذا أمراً طارئاً عليها، وفاتهم أنَّ لديها رصيدًا من الإنجازات المذهلة في كل مراحلها، بل لها إرث تاريخي في ترويض الظروف، ومواجهة التحدِّيات، ونشر ثقافة الحياة، وهو إرث يمتدُّ إلى الدولة السعودية الأولى، التي أصبح يوم التأسيس احتفالاً سنويَّاً بها، لما تمثله من عمق حضاري وتاريخي وثقافي للمملكة، وهي التي قامت في 1139هـ/ 1727م، على يد الإمام محمد بن سعود في ظل ظروف بالغة التعقيد، مثَّل تجاوزها قدرة عالية على تأسيس الدولة، والتعامل مع أعتى الدول والإمبراطوريات، وإلهام الشعب بأنَّه يستطيع.
واعتمادًا على هذا العمق التاريخي المتجذِّر، كان الإنجاز الأكبر، ألا وهو قيام الدولة السعودية الثالثة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيَّب الله ثراه- الذي سأظل أردد أنَّه أعظم شخصية في القرن العشرين؛ لأنَّه أتى بما لم يأت به غيره في ذلك القرن الذي شهد حربين عالميتين، أولاهما وهو لا يزال على أعتاب الانطلاق لبناء الدولة، والأخرى بعد وقت قصير من إعلانه توحيد البلاد باسم المملكة العربية السعودية في 21 جمادى الأولى 1351هـ (23 سبتمبر 1932م).
وبين هذا التاريخ وتاريخ استعادته -رحمه الله- الرياض في 1902م (30 عامًا) من النضال المستمر من أجل توحيد البلاد، التي ألفت الحرب والنزاعات حتي أصبحت جزءًا أصيلاً من نمط حياتها، ولم تكن فكرة تحويل «ثقافة الموت» إلى «ثقافة الحياة»، بما تعنيه من أمن واستقرار وبناء وتنمية أمرًا يسيرًا، في ظلِّ وجود قوى دولية تؤجج نيران الصراع، وتشعل الفتنة وروح الانتقام في القلوب والأنفس، إلى جانب ما فرضته الحربان الكونيتان من ضرورة الانحياز إلى أحد طرفيها، اللذين سلطا سيف التصنيف على الدول، ليكون التعامل معها، على أساس أنها (مع) أو (ضد).
إنَّ التفكير في كيف استطاع الملك عبدالعزيز أن ينسج خيوط دولته في هذا الوضع الدولي المعقد يؤدِّي إلى نتيجة واحدة وهي أنَّه شخصية استثنائية حباها الله لأرض الحرمين الشريفين، ليحفظها كعبة وقبلة للأمة الإسلامية، تشريفًا وتعظيمًا لها.
إنَّ هذا الإرث في صناعة الدولة، والحفاظ عليها في ظروف سياسية دولية في غاية التعقيد والتضارب في المصالح بين الدول المؤثرة، هو ما تقوم عليه رؤية المملكة 2030، بدءًا من تركيزها في ثقافة الحياة، وعملها على أن يكون ما تحققه من إنجازات وطنية رصيدًا إنسانيَّاً عامًا يستفيد منه الناس أينما كانوا.
ويتبدَّى هذا المفهوم السعودي في التنمية في أنَّ الرؤية جعلت من أولوياتها حماية البيئة والموارد الطبيعية، وأعطتها أهميةً قصوى؛ بوصفها إحدى الركائز الرئيسة لتحقيق التنمية المستدامة، لا للمملكة فحسب، وإنما لكل البشر، في كرة أرضية أصبحت أقل من قرية في حجم التأثير المتبادل بين دولها.
وتقود المملكة العالم اليوم من أجل تقليل آثار التغيُّر المناخي والانبعاثات الكربونية، التي تلقي بظلالها السيئة على حياة الإنسان في كل مكان، وتحمل في طياتها الموت للكائنات الحية، ومن ثم تؤثر في معاش الناس، وتهدد حياتهم. وأطلقت في سبيل ذلك مبادراتها: «السعودية الخضراء»، و«الشرق الأوسط الأخضر»، والإعلان العالمي الخاص بالبيئة لضمان مستقبل مستدام يقضي على الظواهر السالبة المهددة للحياة.
وإذا كانت المملكة تنظر بعين زرقاء اليمامة إلى ما فيه مصلحة البشر، فإن ما تحققه من إنجازات على أرضها في كل المجالات من أجل إنسانها يدهش العالم، فهي تترجم تأكيد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في وثيقة الرؤية «هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجًا ناجحًا ورائدًا في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك»، في حين نوه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقدمته للرؤية نوه إلى مرتكز الرؤية بقوله: «ولا ننسى أنَّه بسواعد أبنائها قامت هذه الدولة في ظروف بالغة الصعوبة، عندما وحدها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيَّب الله ثراه- وبسواعد أبنائه سيفاجىء هذا الوطن العالم من جديد»، والمفاجأة تحدث كل يوم على أرض الواقع منذ انطلاقة رؤية 2030.
أدام الله على المملكة نعمة الأمن والاستقرار، والترقي في مدارج التحضر والتحديث؛ ليعم خيرها مواطنيها، ويفيض على العالم بأسره، ناشرة «ثقافة الحياة» في عالم أدمن «ثقافة الموت»