حقيقة أن الأستاذ الراحل المقيم عبدالرحمن الريح ظاهرة تستحق الوقوف عندها كثيراً؛ لأنه أسهم في تشكيل الخارطة الفنية السودانية، وأغنى مكتبة الأغنية السودانية بأغنياته وألحانه، التي اتسمت بالغزارة، والتنوع.
ويعدّ أستاذاً للتلحين؛ وذلك لعبقريته الفذة؛ إذ كان يعلم تماماً أن الفن مطلق ملازم لحركة الإنسان في الحياة وكضرب من ضروب الفن هو الأسرع والأكثر إبداعاً في التعبير عن الأمم.
هنالك يتمازج ويتلاقح الإنسان الراقي بالفنان والشاعر والملحن.
العبقري عبدالرحمن الريح كان يعشق الجمال الطبيعي فعبر عنه بصدق: أقول أنت نور.. كلمات تفوح منها رائحة الزهور، وقد تغني بها الفنان حسن عطية في خمسينيات القرن الماضي، واستغرقته كلماتها فجاءت تعبير التلحين وخلجات الموسيقي، معبرة ومتغيرة مع معاني الكلمات المتسلسلة في كلمات القصيدة باقتدار وحنكة بارعة:
قول أنت نور
ولا أقول زهور
ولا أقول نسيم
فواح بالعطور
أقول أنت نور
من أفق الوجود
ولا أقول زهور
من روض الخلود
ولا أقول نسيم من عطر الورود
أراك في الحقيقة
مع دقيقة
ومحاسنك رقيقة
أقول أنت نور
من أفق الجمال
ولا أقول زهور
من روض الخيال
ولا أقول نسيم
السحر الحلال
أقول انت ايه
محيرني ليه
أحب أسألك
أشوفك تتيه
أخاف أخجلك
لأنك نبيه وكلك شعور
فليك حق تكون
تحب العلوم وتهوى الفنون
وديع كالرضيع
بعيد عن ظنون
وما في الفؤاد يبين في العيون
لأن الوجوه
تكاد أن تفوه بما في الصدور
حقيقة شيء لا يمكن أن نعطيه وصفه، وفي ذاك الإبداع الذي يتسلسل كالشلالات.. روعة وطفرة عجيبة لم تتكرر على الإطلاق، مهما بذل من محاولات.
وللريح حديقة باسقة وجميلة، وتمتاز بالأزهار والورود والشاطئ والأصيل والطيور والطاؤوس المدلل.. صاحب الكبرياء كان حاضراً في حديقة عبدالرحمن الريح، ومع ذلك الأمان، وجمال الحسناوات:
شعرك الناعم المسرح
بين هوجاتو عقلي سرح
ليل على منكبك مسير
منه يتضوع العبير
وجهك الكوكب المنير
حسنو لا تحجبو الغمائم
نور جمالو عليهو دائم
الجمال فيك تجلي نورو
وعليك فتحت زهورو
واشرقت في سماك بدورو
كل مانظرك بشاهد
في جمالك جميل مشاهد
وكل منظر علي شاهد
اني بي روحي فيك مساهم
يا حبيب طبعا انت فاهم
كذلك لديه بروتكولات ومراسم الزيارة وصلت لمكان سكن السمير، وما أدراك ما السمير، من حسن الاستقبال، وحيث كانت المقابلة، وهي الأولي بينهما في الحارة، والتهاني تنهال في هذا المشهد البديع:
أنا أرضيت ضميري بوصال سميري
أرضيت ضميري بمقابلة
وكلام رقيق ومجاملة
وشعور وحسن معاملة
كان الحبيب جالس قريب
انشرح قلب ود الريح لذاك الجو الملائكي للزيارة والقعدة التي لا تصدق أصلاً مع المحبوب المفتون، وكانت يا لها من ضيافة أعدت له مرتعاً آمنًا دافئاً يفوح بروائح الصندل والمسك والطلح والشاف (والما شاف) والخمرة والضفرة، وباقي الأشياء؛ لأن هنالك نعماً من ذاك الجمال والخصال تنداح حبا وهياماً وشوقاً :
ومن عرف كم أسكرني طيب
وأمرضني لون جسموا الرطيب
مع أني جيت علشان أطيب
ود الريح عاشق كلف. كل معاصر يعيش ويشاهد هذا الجمال الفريد والمنداح طوعاً:
عيون الصيد الناعسات عيوني
وأطباء الكون ما عالجوني !
انظر الروعة والخيال الخصيب ومتعة النفس والروح، وحلاوة المذاق.
هي لحظات على المحبين والعشاق ان طيب الزمان والمكان والغرام، حيث الطبع الحلو وبكل حياء طلب من سميرة السماح بالمغادرة حتى يضمن الاستحسان
ودعته عند الباب بكى
ومن الفراق دمعه اشتكى
يا رب لا تفرق حبيب
أحكي ألم الفراق..
وأشكي لي مين أنا……
هناك رسالة كونية من ود الريح لكل البشر:
صدقوا يا عشاق الحب والجمال
وزيدو في جنونه وعشقه …..
كل الألق السمح هذا قطرة من الوفاء مقابل بحر من العطاء..