نور الدين وعبد الرزاق وجعفر .. تأملات

نور الدين وعبد الرزاق وجعفر .. تأملات
  • 21 أكتوبر 2024
  • لا توجد تعليقات

أنور محمدين

كل منا ” تعسكر ” داخله مواقف ومشاهد وقصص مثيرة سمعها أو عايشها خليقة بأن تروى لطرافتها أو فائدتها أو للحسنيين معا.
هنا اخترت لكم بعض ما أختزن.

1

هذه رواها لي الخال الضاحك المضحك عكاشة محمد مختار:

اجتمع بأهل قرية كبيرة عمنا الزعيم اللامع محمد نور الدين خلال حملته الانتخابية وطرح لهم برنامجه وأراد زيارة قرية أخرى قبالتها فصحبه ووفده شخصيات مفتاحية في يدها الحل والعقد وكان مهتما بكسبهم لجانبه وفيما يدخلون المركب طالبوا ببنطون يربط الضفتين فبشر بتلبية مطلبهم، غير أنه جلس حائرا في المركب واضعا يديه على رأسه صامتا في دهاء فاستوضحوه عما به فقال:
إنني أفكر في المشرع المناسب للبنطون فتداول القوم بشأنه، فعاجلهم بتساؤل آخر:
هل الأفضل أن نأتي بالبنطون جاهزا أم نعده هنا؟ فاستحسن شيخ البلد تصنيعه محليا قائلا:
على الأقل نستفيد من بقاياه الخشبية ” سووتي sawtti ” ونشارته.
لما رسا المركب على الشاطئ كان الزعيم السياسي الضليع، النزيه، الذي خرجت جنازته من بيت متواضع شعبي وهو الذي كانت تجري أموال الحزب الهائلة بين يديه قد أيقن أنه استطاع كسب القوم لجانبه بحسبانه ال ” حيجيب ” البنطون!

2

هذه حكاها لي العم عبد الخالق دياب وكان من جلساء أستاذنا المرجعي عبد الرزاق إبراهيم، ومن المعجبين بأحاديثه الشائقة، الهادفة.
قال إنه كان معلما بوادي حلفا، يسكنها مع أسرته حين قدم إليها وفد من تجار المحس بينهم شقيقه سعيد إبراهيم سر تجار المحس، فزمانئذ كان تجارنا يرسلون تمورنا لمصر، قبل أن تصير اليوم الأعلى إنتاجا عربيا، وتمتلك أكبر مزرعة نخيل في العالم في توشكي بمساحة 38 ألف فدان.
بعد أيام من وصولهم قال إن شقيقه عاتبه على عدم دعوته الضيوف لبيته وإكرامهم فأجابه:
لقد أحضرتهم وأكرمتهم فعلا، فسأله سعيد في دهشة:
متى حدث ذلك وأنا لم أحضر؟!
قال:
كنت أصطحب معي كل يوم شخصا ليتغدى معي بالموجود، أما لو نظمت ” عزومة ” معتبرة لكل القادمين فإن مرتبي لا يفي وسأضطر للاستدانة وسأحرجك مع زملائك التجار!
فقال إن سعيد جذب رأسه وقبله قائلا:
أنت أعقل مني!

3

الأخيرة كنت شاهدا عليها.
جلس الخال أستاذنا جعفر الحاج الأمين كبير خلفاء الطريقة الختمية بالمنطقة، مدير أم مدارس المحس بدلقو تحت شجرة النيم الضخمة مرتاحا بعد أن خلع نعليه ووضع عمته جانبا وأمامه كوب الشاي السادة الذي يحبه وكان بمعنويات عالية وأراد مداعبة العزيز محمد أرو ثالثنا في الجلسة، الذي فتح حديثا دكانا فمازحه ضاحكا:
يا أخي ما تورونا نحن كمان القروش دي تعملوها كيف؟
لحظتها جاء تلميذ جاريا لاهثا يقول:
يا مولانا قالوا ليك تعال في السوق بسرعة لأن السيد المعز وصل من أرقو فترك كل شيء وهم بالإسراع فصاح محمد أرو بروحه المرحة المعهودة:
” أول حاجة يا مولانا الحاجات دي ما معانا ” فضحك وهو يهرول خارجا، مدركا أن محمد أرو يقصد أن أمامه تلك الليلة تنظيم عشاء معتبر للضيف الكبير ووفده، ليس هذا فحسب، بل ترتيب ” حضرة ” ولمة وفتة وصرف بالغ!

وبعد:

هؤلاء آباؤنا تركوا لنا دروسا قيمة مغازيها، وإرثا ثرا وحكايا موحية علنا ننهل منها ونقتدي.

الوسوم أنور-محمدين

التعليقات مغلقة.