هل يقف السودان على عتبة حرب جديدة أشد فتكا؟

هل يقف السودان على عتبة حرب جديدة أشد فتكا؟
  • 05 نوفمبر 2024
  • لا توجد تعليقات

التحرير- وكالات

ملخص
يعتقد محللون أن المعطيات تشير إلى أن الحرب في طريقها للانتقال إلى مواجهات أوسع وأعنف مع تنامي فرضيات انتقالها لأماكن جديدة من واقع وضعية إعادة التمركز والانتشار وجبهات المعارك.

يمر المشهد السوداني بحالة من الانسداد والتعقيد، إذ لا تزال الحلول المؤدية لإيقاف الحرب المشتعلة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 تراوح مكانها، في وقت اتخذت هذه الحرب العنف والانتقام سلاحاً جديداً، لا سيما من جانب “الدعم السريع” التي مارست في الأيام الماضية انتهاكات وصفت بـ”الوحشية” في مناطق شرق ولاية الجزيرة تعد الأسوأ في تاريخ هذا الصراع.

فكيف ينظر المراقبون لواقع ومستقبل هذا النزاع ومآلاته؟ وهل خرج من سيطرة المجتمع الدولي، بخاصة أن الأمين العام للأمم المتحدة يرى عدم احتمالية وجود حل سريع للأزمة السودانية؟

رسائل خاطئة

الباحث في “مركز الخرطوم” للحوار اللواء الرشيد معتصم مدني أوضح أن “هناك تعقيدات كثيرة واجهت القوات المسلحة السودانية في حربها ضد قوات المتمردين، من أهمها وأبرزها انتشار الأخيرة في قرى المزارعين بولاية الجزيرة وسط السودان، ونقل المعارك إلى هذه المناطق البعيدة من ميادين القتال المباشرة والتحكم في الطرق البرية التي تؤمن الإمداد بالمفهوم العسكري البسيط، وذلك بدافع النهب والسلب الذي بدا واضحاً لكل المراقبين لهذه الحرب، إذ حقق لهم هذا الانتشار الذي صاحبه خطاب إعلامي إثني بدائي صادر عن بعض المغامرين من القادة الميدانيين، الذين يرسلون في الغالب رسائل خاطئة صادرة من ردود الأفعال الآنية غير الواعية، أكسبهم مساحة كبيرة في الإعلام، لكن في المقابل أفقدهم ميدان الحرب الرئيس بالسيطرة على الدولة السودانية أو الخروج بمكاسب تحقق لهم وجوداً ضمن المعادلة السياسية في المستقبل وفق تخطيط حلفائهم الإقليميين والدوليين”.

وبين أن الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها قوات “الدعم السريع” ضد المدنيين وحدت روح الشعب وتعاظم الشعور بالخطر لدى السودانيين، وبدا واضحاً لهم وبصورة فطرية أن الانقسامات تفقدهم استقلالهم. وعلى رغم الخسائر الكبيرة الناتجة من هذا التمرد على مستوى الأفراد والأسر ومؤسسات القطاع الخاص والعام والخراب الكبير الذي طاول البنية التحتية وشل الاقتصاد، إلا أن الجيش يعمل على استرداد الوطن بدعم تام من عامة الشعب.

وأشار مدني إلى أن “هناك تقاطعات مصالح وأطماعاً تحرك اللاعبين الإقليميين في الجانبين العربي والأفريقي، إذ يعمل الجميع على حماية مصالحه منها المتعلق بالموارد والممرات المائية، في وقت أن أغلب دول شرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي التي ناورت في القضية السودانية بإيعاز من حلفاء إقليميين أو دوليين أو بدافع تحقيق مطامع شخصية لقادتها، هيمنت عليها نزاعاتها الداخلية مما دفعها للانكفاء والابتعاد بدرجة أو بأخرى عن المشهد السوداني”.

وتوقع أن تشهد المنطقة الأفريقية مزيداً من الانفجارات، مبيناً أن حرب غزة ولبنان وأوكرانيا أخذت اهتمام مراكز القرار العالمية، إضافة إلى حالة الانتقال التي يشهدها العالم ونتائج الانتخابات الأميركية وما تسفر عنها، وانعكاساتها في الداخل الأميركي والتحالفات القديمة في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وأكد أن “تجارب البعثات الأممية في العالم وأفريقيا والسودان بخاصة لا تشجع على نشر قوات أممية، فهذه البعثات تحتاج إلى اعتمادات مالية كبيرة والعالم غير مستعد لتوفيرها، وسبق أن صاحب صرف هذه الأموال كثير من الفساد بحسب تقارير مراكز غربية ومراقبين، فضلاً عن بروز سلوكيات منافية للثقافات المحلية من قبل تلك البعثات، مما سبب حرجاً في كثير من الأحيان للمنظمة الأم، إضافة إلى اعتماد هذه القوات في كل حركتها على حماية الجيوش الوطنية وهذا غير متوافر، مما يمنعها من إنجاز أي من المهام الموكلة لها ويتسبب لها في خسائر كبيرة، بخاصة أنها تتحرك في بيئة لا تعرفها”.

ويعتقد مدني أن المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو لن ينجح في مهمته المتعلقة بحل الأزمة السودانية لسببين: الأول يعزى للمشهد الأميركي الداخلي المرتبك، والثاني أن كل مناوراته كانت مع الدوائر الخارجية الإقليمية والمجموعة السياسية السودانية التي ينظر إليها السودانيون باعتبارها مشروعاً خارجياً ولا تعبر عن مصالحهم، فضلاً عن أنه لم يسجل زيارة للسودان منذ تعيينه.

من جانبه، قال المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ “في اعتقادي أن المعطيات الحالية تظهر أن الحرب في طريقها للانتقال لمواجهات أوسع وأعنف مع تنامي فرضيات انتقالها لأماكن جديدة من واقع وضعية إعادة التمركز والانتشار وجبهات المعارك، ففي أكتوبر (تشرين الأول) فقط شاهدنا انتقال الحرب إلى منطقة شرق الجزيرة ومناطق من ولاية النيل الأبيض وزيادة استنفار وانخراط مجموعات قبلية وإثنية لم تكن منخرطة، بخاصة في شرق السودان ودارفور وغرب كردفان، وهي مؤشرات واضحة لشكل المعارك المتوقعة التي لم تهدأ أو تنحسر حتى في ظل فصل الخريف، فكيف سيكون المشهد والواقع بعد انتهاء موسم الأمطار وفتح الطرق مجدداً؟ للأسف الواقع يشير إلى أن القادم في الحرب هو أعنف وأوسع نطاقاً وأكثر تدميراً من واقع مستوى تسليح الطرفين”.

وتابع “ما سيفاقم الأوضاع هو حالة الانسداد الناتجة من فشل محادثات جنيف وترقب المحيطين الدولي والإقليمي لنتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، وأياً كانت النتيجة فمن المؤكد أن الإدارة المنتخبة ستحتاج بعض الوقت ريثما تستكمل ترتيب أوراقها وبيتها الداخلي، وهو إجراء يستغرق وقتاً أطول في حال فوز دونالد ترمب ويمتد الغياب الأميركي حتى بداية الربع الثاني من عام 2025، وهذا سيكون لديه تأثير مباشر على مساعي وقف الحرب، وفي ظل وجود تجاذبات إقليمية ودولية فإن المشهد يظهر صعوبات بالغة وخطى متعثرة من أجل وقف الحرب”.

ونوه أبو الجوخ إلى أن ذروة رد الفعل لن تخرج من الإدانات أو عقوبات تطاول أفراداً وقادة فيما تستمر المواجهات بين الطرفين، وفي ضوء هذا التعقيد والتشابك سيكون من الصعب إصدار قرار بنشر قوات لحماية المدنيين عبر مجلس الأمن الدولي، وحتى أن إصدار قرار بواسطة مجلس السلم والأمن الأفريقي مرهون بانتظار إكمال انتخاب هياكل الاتحاد الأفريقي في فبراير (شباط)، بالتالي نجد أن كل الإجراءات ستكون مؤجلة حتى الربع الأول من العام المقبل.

وواصل “في رأيي أن جولة المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو الحالية لدول الجوار تهدف في الأساس لتحسين سجله الشخصي منذ تكليفه بهذا الملف، بخاصة بعد الانتقادات العنيفة التي تعرض لها لفشله في محادثات جنيف واتهامه بتقديم تنازلات لقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان من دون الحصول على مكاسب، لذلك لا أتوقع أن تنجح محاولة الـ25 ساعة في ما فشلت فيه المحاولات السابقة لا سيما أن الأطراف الإقليمية والدولية تترقب تغييرات في الإدارة الأميركية سواء فازت مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس أو الجمهوري دونالد ترمب، بالتالي قد تكون هذه الجولة هي الأخيرة له في المنطقة قبل الإعلان رسمياً عن إنهاء مهمته”.

وختم المحلل السياسي “لم تترجم أقوال بيرييلو أفعالاً ونتائج ملموسة على الأرض، وفوق ذلك أثبتت الوقائع فشل استراتيجيته للتقرب والتودد لقائد الجيش السوداني على رغم تقديم الأول تنازلات دبلوماسية كبيرة في اجتماع جدة مع وفد حكومة بورتسودان، ثم محادثات جنيف، وأخيراً اجتماع القاهرة الذي فشل لعدم وصول وفد الجيش السوداني على رغم حضور وزير الخارجية الأميركي بلينكن. لذلك أعتقد أن بيرييلو لم تعد في جعبته محفزات ترغيب ولا مخيفات ترهيب، وفاقم منها التوقيت المرتبط بانتخابات الرئاسة الأميركية، ولكل ذلك فإن المعطيات تشير إلى أن جولة بيرييلو لا تعدو بأن تكون للعلاقات العامة والإعلام وتحسين صورته الشخصية ولن تحقق أي نتائج ملموسة”.

التعبئة السالبة

بدوره، أفاد عضو لجنة السياسات في المكتب السياسي لحزب “الأمة القومي” عوض جبر الدار قائلاً “في تقديري ما يحدث من انتهاكات وحشية بحق المدنيين وتصعيد عسكري هو نتيجة انسداد الأفق السياسي الوطني الحريص على إيقاف هذه الحرب بإرادة وطنية خالصة وصادقة، فضلاً عن إنهاء معاناة المواطن المغلوب على أمره”.

وأضاف “لا توجد في الأفق رؤية وطنية تجمع السودانيين على صعيد واحد تعمل على توحيد الإرادة الوطنية في جبهة وطنية تنهي الحرب ومعاناة المواطن المتضرر الأكبر، وحتى الآن مسألة الحسم العسكري لأي من طرفي الحرب بعيدة المنال، خصوصاً بعد بلوغ الحرب شهرها الـ19، والسبب هو التعبئة السلبية التي تغذي خطاب الكراهية والخوف من تحول مسار الحرب إلى عواقب وخيمة قد تعصف بوحدة البلاد، بخاصة أن شبح التقسيم والحرب الأهلية بات يلوح في الأفق”.

ولفت جبر الدار إلى أن “هذا الواقع المؤسف يتطلب من جميع مكونات الشعب السوداني الاصطفاف حول مائدة مستديرة تنهي هذه الحرب عبر آلية وطنية للحوار السوداني وبرعاية أصدقاء السودان من دول الجوار الإقليمي والدولي”.

وزاد “الأمل معقود بتوقف هذه الحرب ما دام هناك إرادة وطنية تعمل على إيجاد حلول لإنهاء المعاناة الإنسانية ووقف هذا الصراع، صحيح لا يوجد حل سريع لهذه الأزمة في الوقت الراهن، لكن الإرادة موجودة ودعوات الصادقين من أبناء السودان وأصدقائه إذا وضعوا نصب أعينهم وطنهم الذي يتمزق أمام نظرهم ووقف معاناة شعبهم الذي أصبح يدفع ثمن هذه الحرب قتلاً وتشرداً وتزداد معاناته يوماً بعد يوم في الداخل والخارج، وعليه لا يزال الأمل معقوداً على أبناء الشعب السوداني لوقف هذه الحرب عاجلاً غير آجل”.

ورأى عضو لجنة السياسات أن المجتمعين الدولي والإقليمي بذلا جهوداً كبيرة في سبيل إنهاء المعاناة الإنسانية عبر توصيل المساعدات للمحتاجين، وقد توصلا إلى تفاهمات مع الحكومة السودانية وقوات “الدعم السريع” بغرض حماية المدنيين وإيصال المساعدات لهم عبر معبر أدري الحدودي مع تشاد وكذلك عبر معبر الدبة بالولاية الشمالية، وبالفعل حقق هذان المعبران غرضهما في هذا الشأن، لكن ما زالت المخاوف والأخطار تهدد حركة توصيل المساعدات للمحتاجين.

وأردف “كان هدف المجتمع الدولي فك الضائقة الإنسانية أولاً ثم الاتجاه إلى وقف الحرب، لكن مسار الحرب أخذ طابعاً آخر أبعد كل التصورات لدى المجتمعين الدولي والإقليمي الساعين لوقف هذه الحرب والتعويل على السودانيين لإنهاء معاناة شعبهم عبر حوار سوداني لا يستثنى أحداً”.

وبين أن مسألة نشر قوات دولية لحماية المدنيين عبر أي بند من بنود قانون حماية المدنيين الدولي غير مرحب به من الوطنيين السودانيين، خصوصاً أن هذا المشروع قد فشل في كثير من الدول مثل ليبيا والعراق والصومال، ونتائجه الآن ماثلة في تلك الدول، بالتالي كل ما تتخوف منه القوى الوطنية السودانية هو التجربة الليبية والعراقية.

وعبر جبر الدار عن أمله في أن تكون لدى المبعوث الأميركي للسودان رؤية واضحة يقدمها لدول الجوار السوداني الأربع التي يزورها حالياً تسهم في إيجاد حلول تنهي هذه الحرب وتحقق السلام، على أن يعمل على توسيع جولاته لتشمل كل دول الجوار وأصدقاء السودان من المجتمع الدولي المحبين للسلام، لكن بشكل عام يحتاج الأمر إلى إرادة وجدية من المجتمعين الدولي والإقليمي لإنهاء معاناة الشعب السوداني ووقف هذه الحرب.

التعليقات مغلقة.