علمتنا الحرب(2): أكدت أصالة معدن المرأة السودانية وطاقاتها الهائلة

علمتنا الحرب(2): أكدت أصالة معدن المرأة السودانية وطاقاتها الهائلة
  • 09 أبريل 2025
  • لا توجد تعليقات

د. حسين حسن حسين

ذهب الناس مع ترندات القونات، اللائي يحدثن تشويشًا للنظر، حتى كادت المرأة السودانية بأصالتها المعهودة تبدو باهتة في خلفية المشهد القبيح الذي تتصدره هذه الفئة البائسة من النساء.
أثبتت المرأة السودانية في ظلِّ هذه الحرب اللعينة أنَّها رائدة وقائدة، فعلى الرغم من أن كثيرًا من النساء والفتيات واجهن مخاطر متزايدة من العنف الجنسي والنزوح القسري والتهميش الاقتصادي، إلا أنَّها استطاعت تأكيد صلابتها، وقدرتها على تجاوز المحن.
كثير من النساء لم يكن لهن سند، وهن يواجهن لهيب الحرب، سواء لسفر رب المنزل، أو لغيابه بالوفاة أو الانفصال عن رب الأسرة، أو لعدم وجود عائل أصلاً، وغير ذلك من الأسباب، فاستطاعت أن تحافظ على أسرتها، وأن تقيها شرورها، سواء التأثير المباشر بالوجود في دائرة الحرب، أو تدبير حاجة أبنائها وبناتها من الكساء والغذاء والمأوى الآمن.
وعندما نزحت داخل الوطن، أو لجأت إلى دول الجوار، عملت على تدبير معيشتها بعمل شريف يضمَّن لها ولأسرتها حياة كريمة، حتى مع ضيق العيش، بل منهن من استطعن تحويل المحنة إلى منحة، بتبنِّي مشروعات رائدة بدأت صغيرة، ثم كبرت بفضل حسن تفكيرها، وإصرارها على اجتياز الامتحان الصعب الذي وجدن أنفسهن في مواجهته.
وتصدَّرت المرأة طليعة التنظيم الشعبي والجهود الإنسانية، حيث يتشارك في إنشاء غرف الطوارئ، وتسهم في تنسيق جهود الإغاثة، وتقدم المساعدات الأساسية لمجتمعاتها، وظهرت في زمن رائدات في مجالات شتى، مثل: تصميم الملابس، وصناعة أدوات التجميل، وإدارة المطاعم والمقاهي، وتنظيم الفعاليات، وبرزت نماذج واعدة في فضاء الإعلام على اتساعه، والتدريب، وريادة الأعمال بمجالاتها المتعددة، وهن بالتأكيد في حاجة إلى الدعم والتعزيز لترسيخ أقدامهن، والمضي قدمًا في درب النجاح، حتى يسهمن في رسم مستقبل ما بعد الحرب.
التحية للمرأة السودانية وهي تخفف عنا هول المصيبة، وتؤكد بالفعل لا بالقول إنها شريك أصيل، ففي حين أنَّ الحرب ألحقت معاناة هائلة بها، إلا أنَّها أجبرتها أيضًا على القيام بأدوار غير مسبوقة، مُظهرةً قوتها وصمودها وقيادتها.
إنَّ القدرات التي أظهرتها المرأة السودانية في تحمُّل أصعب الظروف، وافتحام الحياة في بيئات غريبة عنها، تؤكد ما لديها من طاقات كامنة كانت تحتاج إلى من يطلق العنان لها، وها هي تؤكد ذاتها في أحلك الظروف، ومن ثم، يجب أن تستمر في هذا العطاء المبدع في زمن الأمن والاستقرار، لتتجاوز أدوارها تلك الحدود التي رسمها لها المجتمع، ولتكون شريكة للرجل في كل المجالات، ومن الضروري إدراك هذه القدرات والطاقات ودعمها، مع تلبية الحاجة المُلحة لحمايتها، وضمان إشراكها في جميع جهود السلام والتعافي.
إنَّ مجتمعنا السوداني في حاجة إلى إعادة تقييم كل جوانب حياته، من خلال مختصين قادرين على الوصول إلى نتائج يمكن الإفادة منها في إطلاق طاقات أبنائه، وإبراز ما أخفته تقليدية التفكير، ليكون عونًا في ارتياد آفاق جديدة كانت تبدو لنا بعيدة، لأننا لم نستطع اكتشاف أنفسنا، ولم نبذل جهدًا لنعرف أننا نستطيع، وندرك أن في الإمكان أجمل مما هو كائن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*