في اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل.. “لايف للإغاثة والتنمية”:
فرق الإغاثة الطارئة والعمل الخيري على قائمة الأولوية!

يشهد العالم اليوم تحوّلًا سريعًا في طبيعة بيئة العمل بفعل التقدم التكنولوجي، فالذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية أصبحت جزءاً من النظام العالمي، حيث تسهم في توفير السلامة وتقليل المخاطر.
ورغم تدشين منظمة العمل الدولية لهذا اليوم العالمي منذ عام 2003، إلا إننا نجد بعض المجالات تكون الوقاية فيها من الحوادث والأمراض في مكان العمل أكثر أهمية وعلى رأسها مجال الإغاثة الطارئة والعمل الخيري، حيث تهدف السلامة والصحة في جوهرهما إلى إدارة المخاطر المهنية.
تواصلنا مع الأستاذ عمر الريدي مدير قسم المشروعات التنفيذية في مؤسسة لايف للإغاثة والتنمية الأميركية Life For Relief And Development والذي يتحدث عن التدابير اللازمة التي عملوا عليها للحفاظ على السلامة المهنية قائلاً: ” المجازفة والأخطار تظل جزءاً لا يتجزأ من حياة موظفي الإغاثة والعمل الخيري، لكن دعمنا المتمثل في تعزيز حمايتهم الأمنية وتدريبهم بورش العمل المكثفة في المناطق التي يسودها الصراع بأنحاء العالم يمنح “لايف” وموظفيها الثقة في مواصلة العمل مع خفض مستوى الأخطار.
السلامة بين الحروب والكوارث الطبيعية
ويستكمل موضحاً: “لايف” تعمل في مجال الإغاثة الإنسانية منذ 32 عاماً، وقد بدأت عملها عقب حرب الخليج، ثم زلزال الشمال الأفريقي الذي ضرب الجزائر وتونس عام 1994، وبعدا مباشرة الحروب في اليمن والبوسنة وكشمير والشيشان وأفغانستان، ثم الإعصار الذي ضرب جنوب شرق آسيا والفيضانات التي اجتاحت بنغلاديش والبلاد المجاورة.
وقد كان علينا أن نعمل سريعاً على توفير الإغاثة الطارئة بالتوازي في دول عديدة، مع تدريب فرق “لايف” بشكل محترف ومهني، وإعداد المتطوعين لتقديم يد العون للمتضررين، وتنظيم قواعد ووسائل السلامة والأمن، حيث عملت المؤسسة على توفير حماية موظفيها في ظل ظروف مختلفة وعنيفة في آن واحد، فالسلامة خلال الحروب تختلف ظروفها مثلاً عن السلامة خلال الكوارث البيئية وحفر الآبار.
لكن مع زلزال تركيا عام 1996 والذي استمرت تبعاته لأكثر من سبعة أعوام، توجب على “لايف” توسعاً سريعاً وأكبر لأنشطتها، وبفرق عمل أكثر خبرة وتدريباً على اتخاذ احتياطات ووسائل الأمن والسلامة.
كما كانت هذه التجربة لـ “لايف” هي بداية التركيز الأكبر لتدريب فرقنا على الأرض للحفاظ على سلامتهم الصحية بسبب الظروف البيئية التي تزامنت مع انتشار الأمراض والأوبئة الخطيرة الناجمة عن تراكم الضحايا تحت الأنقاض، وقد كانت فاجعة كبيرة آنذاك، لكنها كانت الدافع لحصول فرقنا على التدريب الأوسع لآليات وسبل السلامة الصحية وفقاً للمعايير الدولية العالمية المطلوبة.
كما بدأت فرقنا على توفير الدعم الطبي المتزايد في العراق وتركيا، مع توفير الأدوية والمعدات الطبية ومستلزمات المستشفيات والعمليات الجراحية، مما أعطى لهم الخبرة الكافية لوقاية أنفسهم بما هو مطلوب، وتم تدريبهم أيضاً على كيفية تخزين الأدوية ومختلف المساعدات الإغاثية، والتجهيزات اللازمة لاستمرار الحياة في حالات الحرب والطوارئ والكوارث، والتي قد يكونوا بذاتهم جزءاً منها إذا تدهورت الأوضاع!
التأهب للأزمات.. يقتضي حضوراً مختلفاً!
ووفقاً لتقارير العام 2025 كان من الملفت حصول “لايف” على المركز الثالث لأفضل مؤسسة إغاثية عالمية، وكانت نقطة التميز تتمركز حول التأهب الدائم والاستعداد المسبق لمواجهة الكوارث الطارئة، والتي لن تتم بهذا الشكل إلا مع وجود عوامل كافية لدعم فرقها على الأرض خاصة وقد قدمت خدماتها فعلياً في 60 دولة حول العالم!
وبهذا الخصوص يوضح الأستاذ خليل ميك مدير التطوير جهود “لايف” بهذا الخصوص قائلاً:”
يُعد الوقت عنصراً حاسماً في أي عملية إغاثة طارئة ناجحة، فمعرفة الموقع الدقيق للمعالم البارزة على سطح الأرض والشوارع والمباني ومصادر خدمات الطوارئ ومواقع الغوث من الكوارث، تقلل من الوقت المفقود وتنقذ الأرواح…وهذا ما تميزت به “لايف”.
وقد ظهر تواجد فرقنا في قلب الحدث على مدار 3 عقود عملنا بها جلياً من خلال تواجدنا الفوري بداية عقب حرب الخليج، والذي كان يعاني من نقص رجال الإغاثة آنذاك، فكانت فرقنا المدربة ونشاطها ووسائل حمايتهم ظاهراً وبوضوح رغم موت العديد من رجال الإغاثة بسبب الحرب.
كما ظهر التواجد الفوري عقب زلزال تركيا والشمال السوري 2023 حيث تواجدت فرقنا في قلب الحدث بعد 4 ساعات من الزلزال، وقبل أن يستيقظ أهل تركيا ليفجعوا بالخبر! وللأسف عملت معظم المؤسسات على توفير الماء والطعام، فكانت المعونات تسحق من كثرتها على الأرض لأن الضحايا أصلاً ما زالوا تحت الأنقاض!
عملت “لايف” بالتنسيق مع الجهات المعنية في تركيا لبحث الاحتياج الحقيقي المطلوب، ومع الهزات الارتدادية المتعاقبة في المنطقة، وانهيار بعض المباني القديمة، كانت أوامرنا بالحفاظ على سلامة فريقنا والمتطوعين أولاً، ثم تقديم العون لرجال الدفاع المدني بالحفارات لانتشال الضحايا، ثم توفير الإيواء العاجل المؤقت والاحتياجات اللازمة في الأماكن الآمنة، مع الحفاظ على التدابير اللازمة لعدم التقاط العدوى.
وكان نفس السيناريو خلال زلزال إيران والجزائر في 2004 وإعصار تسونامي، ثم وجودنا في قلب باكستان في العام 2006 عقب كارثة الزلزال وما سببه من فيضانات مدمرة، وبعدها مباشرة في إندونيسيا في 2007 وفاجعة حرب غزة في عام 2008 بالتزامن مع الفيضانات في الولايات المتحدة الأميركية واليمن في نفس العام، ثم أزمة هايتي ونيبال وسيريلانكا والصومال بعدها بعدة أعوام.
سوريا … تحديات السلامة المهنية
وعن تحديات الأمن والسلامة المهنية خلال حرب سوريا يقول مدير الفريق الإغاثي لمؤسسة “لايف” هناك الأستاذ (محمد .ح ) والذي عمل أيضاً في عدة مناطق إغاثية لدعم المتضررين كزلزال المغرب، وخلال فيضانات ليبيا حيث يقول: ” نؤمن أن النساء والرجال الذين يخاطرون بحياتهم لتوصيل المساعدات الإنسانية بحاجة إلى مكان آمن ودائم ليعملوا من خلاله، وذلك لضمان استمرار الخدمات لدعم الاستجابة الإنسانية الفعالة والمستدامة للأشخاص المتضررين.
لكن خلال الحروب والكوارث البيئية يكون مكان العمل هو الأكثر فتكاً بحياتهم، ففي سوريا كان فريقنا في قلب الخطر طوال الأزمة، وكان يجب استئناف نقل المساعدات من الطعام والماء والمعدات الطبية والأدوية وتجهيزات الملاجئ، وقد كانت الزلازل والأوضاع في جنوب شرق تركيا وعدم توافر ممرات آمنة إلا معبر واحد من هناك تتسبب في تعطيل نقل المساعدات لأيام عديدة، وكنا نتأقلم خوفاُ على حياة فريق الإغاثة، فأزمة تسيس المساعدات الإغاثية كانت تشكل تهديداً كبيراً، بالإضافة لصعوبة تحديد المناطق الآمنة لبناء مخيمات النازحين، أو تدهور الوضع الأمني فجأة خلال حفلات الأيتام، فتصدر الأوامر الصارمة بإلغاء التوزيعات لضمان سلامة الفريق.
السلامة الصحية.. خبرة جائحة كورونا!
وعن تجرية الحفاظ على سلامة فريقه خلال زلزال المغرب وفيضانات ليبيا يضيف قائلاً: ” كانت لـ”لايف” خبرة كبيرة في تدريب فرقها التنفيذية لاتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على صحتهم منذ عام 2020 حيث واجهنا فيضانات شديدة في أفغانستان وبنغلاديش والسودان والسنغال، واليمن والولايات المتحدة في آن واحد، ولم نكد نفيق من الجهود المبذولة حتى داهمتنا جائحة كورونا وخلالها عملنا بالتوازي بفرق قوية التدريب بمهارات وكفاءات طبية عاجلة وسريعة في 24 دولة، وهذا أعطى موظفي الإغاثة خبرة جيدة.
لكن تنقل الفرق التي تشرف على العمليات الإغاثية الميدانية في نفس لحظة وقوع الكارثة كان يشكل تحدياً كبيراً، ففيضانات ليبيا والتي دمرت جزءاً كبيراً من البلاد تزامنت مع تدهور الأوضاع الأمنية، مما وضع على عاتق فريق العمل جهداً كبيراً للوصول للمناطق المتضررة، حيث كانت الإدارة تواجه حماساً شديداً من الفريق للمخاطرة، فكان التحدي بفرض الأوامر الصارمة وخضوع فريق العمل لها حفاظاً على أرواحهم.
كما تسبب الفيضان في وجود المئات من الضحايا تحت الأنقاض وممن جرفتهم المياه، فقد واجهوا انتشار الأوبئة وأصروا على تقديم يد العون، خاصة مع قلة عدد المؤسسات التي كانت تعمل على الأرض كان التحدي أصعب لتطبيق معايير السلامة الصحية.
وفي المغرب كان الوضع صعباً بسبب التضاريس الجبلية، لكننا اتخذنا إجراءات الوقاية اللازمة وأصر الفريق على رصد الواقع في قلب الحدث لتحديد الاحتياجات الإغاثية الحقيقية المطلوبة للنازحين بعد نقلهم لمخيمات الإيواء المؤقت.
فلسطين.. مأساة الإنسانية وانعدام الأمن
وقد ظهر جهد الفريق الإداري لـ”لايف” أكبر وأقوي تأثيراً عقب حرب غزة الأخيرة، وبهذا الخصوص يقول د. عبد الوهاب علاونة المدير الإقليمي للمؤسسة : ” تواجدت فرقنا في جميع أنحاء القطاع شمالاً وجنوباً ووسطاً، وتعرض الفريق للصدمة الأولى عند قصف مخزن “لايف” في الجنوب، لكن وجودنا في غزة منذ 21 عاماً جعل فرقنا على دراية وخبرة كافية للحفاظ على سلامتهم في ظل القصف المفاجئ والعشوائي، وكانت أوامر إدارة المؤسسة في أميركا واضحة وصارمة وحازمة أن أولوياتنا هي سلامة الفريق وفقاً لما تم تدريبهم عليه تحت أي ظرف من الظروف.
كما عملنا على تنفيذ توزيعات مواد التعقيم ومستلزمات النظافة والعناية الشخصية للوقاية من الأمراض بشكل كبير، وقمنا بالتأقلم على تنفيذ خطط الإخلاء والإيواء في حالات الطوارئ، خاصة وأن فرقنا كانت في مرمي النيران، فمع أوامر الإخلاء الجماعية تنفذ المساحات الآمنة للحفاظ على بقاء رجال الإغاثة أحياء.
هذا بالإضافة إلى العبء الأمني الشديد الذي يصاحب دورنا في حماية قوافل المساعدات التي تدخل غزة من النهب، ولضمان وصولها للنازحين الأبرياء الأكثر احتياجاً، والذين يعانون من القصف المستمر فلا يصل إليهم قوت يومهم! حيث كان أعضاء الفريق يصرون على المجازفة لحمايتها من أجل الإنسانية، وفي بعض الأحيان لم يكن علينا كإدارة إلا الرضوخ بعد اتخاذ التدابير اللازمة.
وبالتأكيد كانت هذه نفس التحديات التي واجهت فرقنا الإغاثية في السودان وفي لبنان، وخلال حرب العراق واليمن.
حفر آبار المياه …تدابير صارمة!
توفير مياه الشرب من أهم الأنشطة الإنسانية التي تعمل عليها “لايف” وبهذا الخصوص تضيف ماريما توراي مدير مكتب سيراليون: “تعمل المؤسسة في مجال حفر الآبار منذ أعوام حيث حفرت إلى يومنا هذا ما يزيد عن 1473 بئراً … 267 منها فقط في العام الماضي، وبالتأكيد إنجاز كهذا يقتضي توفير الأمن والسلامة المهنية، فجميع مكاتب “لايف” الـ 28 التي تعمل في مجال حفر الآبار تعزز ثقافة الوقاية وتطبق تدابير صارمة في مجال الصحة والسلامة، وتستثمر في تقنيات الحماية والتدريب وفي صحة العمال.
فمن أهم المخاطر التي قد تواجهنا تسرب الملوثات التي تؤذي العمال وتلوث المياه، إلى جانب انهيار الآبار حيث قد يؤدي العطل الهيكلي أو عطل المعدات بسبب سوء الصيانة أو عطل الآلات عملية الحفر سبباً رئيسيا، مما قد يكون غير آمن على العمال إذا لم يُنظّم الحفر ويُدار بشكل صحيح.
وللحد من هذه المخاطر تعمل “لايف” على التحليل الأولي للموقع قبل الحفر والذي يكشف أي مخاطر جيولوجية مبكرة، كما يتم استخدام آليات حفر سليمة والأجهزة الخالية من خطر التلوث والمسببة لانهيار الهياكل، وبشكل عام فإن الالتزام باللوائح المتعلقة بالبيئة وسلامة التشغيل وتجنب الأعطال الناتجة عن الصيانة الدورية للمعدات يضمن سلامة عمال العمل الخيري، هذا إلى جانب التدريب واستخدام معدات الوقاية الشخصية، مع توظيف متخصصين مهرة يلتزمون بمعايير العمل.